يجب أنْ نعترف بأنّ المهرجانات السينمائية تنظر إلى الناقد بوصفه مجرّد إكسيسوار داخل يوميات المهرجان. نادراً ما تعثر على مهرجان مغربيّ يُراهن على الناقد ودوره المحوري في تغذية النقاش قبيل عرض الأفلام وبعدها. إنّ الناقد يمتلك ثقافة موسوعية تُؤهّله للخوض في قضايا وإشكالات ذات علاقة بالسينما المغربيّة وتحوّلاتها. ومهما بلغت أهمية ممثل أو مخرج أو صاحب مونتاج، فإنّهم لا يستطيعون رصد هذه التحوّلات الجماليّة التي تطال الفنّ السابع بالمغرب. فهذه الترسانة المعرفية ذات الصلة بالمفاهيم والسياقات والنظريات يتوفّر عليها الناقد وليس الممثل. إنّ حالة الممثل في السينما المغربيّة تختلف بشكل كبير عن بعض نماذج السينما العربيّة. فتكوين الممثل المغربي هشّ ويفتقر إلى ثقافة حداثية تُتيح له إمكانية التعبير عن مواقفه في الفنّ والثقافة والسياسة والاجتماع. ففي السينما اللبنانية نعثر على وجوه سينمائية تُساهم في تحقيق نهضة ثقافية داخل المجتمع وتلعب دوراً تتجاوز فيه حدود التمثيل، صوب آفاقٍ ثقافيّة رحبة، يغدو فيها الممثل مثقفاً غرامشياً مُساهماً في تغيير المجتمع وثقافته وفنونه.
حين يشتدّ النحيب بين الممثلين المغاربة، فغالباً ما يكون « النقاش » حول حقوق الفنان وتغطيته الصحية أو عدم دفع مخرج ما لمستحقاته المالية بعد العمل معه. لم أرى ممثلاً أو ممثلة في المغرب، خرجوا لإدانة الواقع من خلال طرح بعض القضايا الشائكة التي تُعيق سير وتقدّم السينما المغربيّة. كلّ هذا في وقتٍ يخرج فيه نقاد مغاربة ويُسلّطون الضوء على هذه القضايا التي تخرج من إطار الفن السابع ومن خشبة المسرح وتقتحم بعنف أوساط المجتمع، فتعمل على خلق جدلٍ سياسي ـ اجتماعي ـ ثقافي، يتنزّل فيه الفنّ عموماً مكانة كبيرة داخل الفضاءات العمومية.
الناقد ضرورة مُلحّة للمهرجانات السينمائية المغربيّة، حتّى تضمن سيرورتها داخل الصناعة الثقافيّة، فهو من يُعطيها شرعيتها الجماليّة ويرسم لها أفقاً فنياً مختلفاً. بل يُساهم من خلال مناقشاته وكتاباته وحواراته على رسم معالم سينمائية جديدة للمهرجان أكثر حداثة وتجذّراً في الفنّ والمعرفة والسؤال. وبدونه تُصبح المهرجانات كما هو حالها دائماً عبارة عن حفلات وأعراس ومواسم شعبيّة تكثر فيها البهجة ويعلو على سجادتها الحمراء نوعٍ من التباهي بالأزياء. بل تتعمّد الكثير من المهرجانات على دعوة العديد من الممثلات المصريات المعروفات بصخبهم الإعلامي الفارغ، من وذلك من أجل المزيد من خلق الإثارة على المهرجان في مَشاهد من الطرب الذي يُحيل على الأعراس ومباهجها، لا على السينما وتفكيرها ومُتخيّلها.