أشرف الحساني يكتب: هل انتهى زمن ديناصورات كرة القدم؟

أشرف الحساني ـ ناقد فنّي

أشرف الحساني ـ ناقد فنّي . DR

في 13/12/2022 على الساعة 19:30

لن ينسى التاريخ الكروي ما حدث بالضبط في مونديال قطر 2022 بعدما استطاعت منتخبات عربية، طالما نظر إليها على أساس أنّها عبارة عن فرق رياضية صغيرة، القضاء بشكل نهائي على فرق بمثابة ديناصورات في مجال كرة القدم في العالم.

أحدث انهزام الأرجنتين أمام السعودية وفرنسا مع تونس وإسبانيا والبرتغال أمام المغرب، شرخاً كبيراً في فهم العالم لطرق وتسيير لعب كرة القدم. فهذه المفاجآت السارّة، لم تكُن منتظرة قبل أسابيع من انطلاق المونديال، بعدما لاحظ العالم مظاهر الأنا والنرجسية المتبدية عند بعض اللاعبين مثل ليونيل ميسي وكريستيانو رونالدو وبيبي. لكنّ الجُرح الغائر الذي تركوه العرب في أجساد هؤلاء لن ينسى، بل إنّ بيبي يكاد يجن بعد خسارته مع المغرب. كما رصدت كاميرات العالم دموع كريستيانو، وهو يهُمّ بالخروج من الملعب، قبل مغادرته قطر بشكلٍ نهائي رفقة صديقته جورجيا. إنّها مأساة حقيقية بالنسبة للغرب المستعلي دائماً وأبداً على المجتمعات العربيّة.

من سينسى طريقة خروج كريستيانو من الملعب؟ بينها لاعبون مغاربة في الضفّة الأولى من العمر يرقصون فرحاً بالانتصار. التاريخ يصنع المعجزات، ويعمل على غربلة كلّ شيءٍ بداء من الحجارة الكبيرة إلى حصى ثم تراب. غير أنّ الكبار يظلّون كذلك، بحيث تُحوّلهم الذاكرة إلى حجارة مصقولة من البرونز اللامع الذي يستحيل طمسه. فما قدمته كتيبة الركراكي سيظل بمثابة وشم على الجسد وذاكرة مطبوعة بالمفاجآت والانتصارات وتاريخٌ حافلٌ بالآلام والأفراح. من الصعب بالنسبة لكريستيانو أنْ تكون نهايته مع فريقه الوطني على يد أسود الأطلس. إنّها ضربةٌ قاضية وموجعة لمساره الرياضي، بحيث بدا وكأنّ التاريخ يغلق أبوابه على ديناصورات كرة القدم ويفتح أخرى أكثر حلماً وشهرة لأسود الأطلس.

هذه المرّة، قلب أسود الأطلس المعادلة، وصنعوا التاريخ بلعبهم وذكائهم وطرق تدريبهم. ورغم إيمان الكثير من الفرق بقوّة المغاربة في كأس العالم، فإنّ المنتخب البرتغالي لم يرضى بهزيمته، بعدما اعتبر عدد من لاعبيه، قبل بداية المقابلة وبعدها بتقليدية الفريق الوطني في لعب كرة القدم، على خلفية تسجيله هدفاً، ثمّ العودة إلى الوراء وإقامة حراسةٍ مُشدّدة، كانت صعبة وقاهرة بالنسبة للمنتخب البرتغالي من أجل اختراق مرمى بونو. لقد غيّر المغاربة الكثير من المفاهيم حول كرة القدم، بعدما أسقطوا إمبراطوريات رياضية، طالما تربّعت على عرش كرة القدم ونسجت الكثير من القصص والحكايات وروت أساطير عن نفسها وعن لاعبيها. وكأنّهم وحدهم من يُجيد كرة القدم، مقارنة بالفرق العربيّة الأخرى. فكل هذه الأفكار المُقنّعة سقطت في مونديال 2022 وحلّت محلّها أفكار أخرى جديدة يُعوّل عليه. إذْ ليس قيمة فريق كروي في مؤسّساته وتاريخه وأمجاده وألقابه، وإنّما في لاعبيه وإلى أيّ حد يستطيعوا العزف على نوتةٍ واحدةٍ تكون أشبه بالخلاص بالنسبة للحن.

وبغض النّظر عن هذه الادّعاءات الفارغة التي هي بمثابة "سلاح العاجز" فالتاريخ الرياضي لا يُسجّل إلى حدود اليوم طريقة اللعب وميكانيزمات الأهداف وعدد المراوغات، بل النتيجة الحتمية الأخيرة، هي التي تجعل الفريق يحصل على التتويج ويطرق باب التاريخ ويدخل من بابه الواسع. وهذا بالضبط ما حاول وليد الركراكي تبيانه طيلة أسابيع المونديال بطرق متباينة ومختلفة بين اللاعبين، بعدما أظهر للفرق الأخرى أنّ النتيجة النهائية تبقى الأهمّ كروياً، لأنّها عنصرٌ حاسم في تأهّل فريق دون آخر.

بهذه الخطّة "المُتواضعة" أنهى أسود الأطلس زمن الديناصورات الرياضية والفرق الكبيرة القاهرة للتفكير والجسد، بعدما جعلوها تئن من فرط الحصار الذي فرضوه عليها داخل الملعب أمام أنظار العالم وزغاريد الأمّهات تُلوّح في الهواء وترسم بسمة أبديّة، هي عبارة عن تحيّة لرجال أكرموا العرب وجعلوهم يحلمون بالمونديال.

تحرير من طرف أشرف الحساني
في 13/12/2022 على الساعة 19:30