في الدار البيضاء، تأتي مسألة التشجير في الفضاءات العامة في صدارة الاهتمامات البيئية. ففي ظل ضعف نسبة الأشجار للفرد ومساحة المساحات الخضراء، مقارنة بالمعايير الدولية، شاركت سليمة بلمقدم، المهندسة المعمارية ورئيسة حركة « المغرب للبيئة 2050″، مؤخرا مداولاتها مع والي جهة الدار البيضاء - سطات محمد مهيدية، لإعادة النظر في نموذج التشجير في المدينة.
وتقول بلمقدم إن الوالي التزم، وفقا لتصريحاتها، بوقف زراعة أشجار النخيل في الدار البيضاء. وعلى شارع الزرقطوني الذي يشهد حاليا أعمال صيانة، تمثل هذه الخطوة بداية توجه جديد، يركز على تشجير بيئي يراعي رفاهية المواطنين وحماية البيئة.
تشير الإحصاءات بوضوح إلى نقص في التشجير: ففي عام 2015، كانت المدينة الكبرى تحتوي على 20,000 شجرة فقط مقابل 30,000 نخلة. « اليوم، حتى مع التحسينات، يمكننا تقدير عدد الأشجار بنحو 100,000، وهو رقم لا يزال مثيرا للقلق إذا أخذنا في الاعتبار أن هناك حاجة لشجرتين لكل فرد لتحقيق الحد الأدنى من المستوى البيئي »، تقول بلمقدم بأسف.
مع نسبة تتراوح بين 30 و40 ساكنا لكل شجرة، يبقى الوضع بعيدا عن المعايير الدولية، مما يظهر الفجوة الكبيرة بين الدار البيضاء والعواصم البيئية الكبرى. إضافة إلى نقص الأشجار، تعاني المدينة من ضعف مساحة المساحات الخضراء التي بالكاد تصل إلى 2 متر مربع للفرد، مقارنة بالمعدل الموصى به الذي يتراوح بين 10 و15 مترا مربعا.
خلال مناقشاتها مع الوالي، تم اعتماد مقترحات من الحركة، بما في ذلك الحفاظ على المحمية المركزية التي كان لا بد من إزالتها والتخلي عن زراعة أشجار الدلب، وهو نوع لا يتكيف بشكل جيد مع هواء المدينة المالح. « لم تكن شجرة الدلب لتتمكن من البقاء هنا، لذلك اقترحنا بدائل، ولكن لسوء الحظ، كان علينا مراعاة الميزانية، لذا تم اختيار شجرة فيكوس رتوزا . كما تم التخلي عن فكرة إنشاء مسار للدراجات على هذا الشارع، وُصِفَ بأنه غير عملي.
لطالما اعتمدت الدار البيضاء على النخيل لتنظيم شوارعها الضيقة. سليمة بلمقدم انتقدت هذا التوجه، معتبرة إياه « غير مسؤول بيئيا ». وتقول إن هذه النخيل، بنسقها الورقي البسيط وجذوعها الرفيعة، لا تؤدي سوى جزء من المهام البيئية التي يمكن للأشجار تحقيقها، مثل توفير الظل، وامتصاص ثاني أكسيد الكربون، واحتباس الغبار، ومنع الفيضانات. رغم طلبها في البداية إزالتها بسبب تأثيرها على زراعة أشجار أخرى، أدت القيود المالية وتعقيد إزالة جذوعها إلى استمرار وجودها.
على محاور مثل شارع مولاي يوسف، تعترف المهندسة بأن هذه النخلات قد تساهم في تنظيم الفضاء، لكن قلة فوائدها البيئية تظل مشكلة. وتقول: « بصفتي مهندسة مناظر طبيعية، أحب جميع النباتات، لكن التمسك بزراعة النخيل على حساب أشجار أكثر فائدة يعتبر جريمة بيئية »، حسب تعبيرها. ووفقا لما نقلته عن الوالي، فقد وعدها بعدم زراعة نخل جديد، خاصة في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية، مثل شارع الزرقطوني.
وتقول رئيسة حركة « المغرب للبيئة 2050″ إن تنوع الأنواع النباتية أمر ضروري، وأن الدار البيضاء تتمتع بباقة متنوعة من الخيارات، كالأشجار المتساقطة الأوراق، والدائمة الخضرة، والمزهرة. لكنها تعبر عن قلقها من نقص الاحترافية في الممارسات الزراعية المحلية. « نحتاج إلى تدريب أفضل للمزارعين لضمان زراعة أشجار ذات جودة عالية، ومهيأة جيدًا لتناسب الظروف المحلية لكل مدينة »، تقول، متطرقةً إلى ضرورة إعادة النظر في طرق التقليم التي تؤدي إلى تشويه الأشجار وتحويلها إلى أعمدة خالية من الجمال أو الفاعلية البيئية.
على المدى البعيد، تأمل سليمة بلمقدم وحركتها أن يروا مدينة يكون فيها كل شارع، وكل طريق في الدار البيضاء، مصفوفا بأشجار تمنح الظل والبرودة والفوائد البيئية. « ليس كافيا إنشاء حدائق هنا وهناك، يجب إنشاء غابة حضرية تحمينا، وتنقي الهواء، وتحسن جودة حياتنا »، تختتم حديثها، مشيرة إلى أن الشجرة لا تزال غير قابلة للاستبدال في بيئة حضرية خانقة بشكل متزايد.