هذه الحبوب التي طورها باحثو وتقنيو المعهد الوطني للبحث الزراعي والمركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة بالمغرب، تروم إلى تحقيق أهداف مخطط الجيل الأخضر الذي أطلقته وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، بتعليمات ملكية، والذي تسعى المملكة من خلاله إلى تعزيز السيادة الغذائية خصوصا في ما يتعلق بإنتاج الحبوب.
الأصناف الجديدة، وحسب فوزي بكاوي، مدير المعهد الوطني للبحث الزراعي، «هي نتيجة لأكثر من 10 سنوات من البحث، باستخدام الموارد الوراثية لحبوب الأجداد، التي تم جمعها وحفظها في البنك الجيني للمركز الدولي للبحوث الزراعية في الأراضي الجافة في الرباط، بهدف خلق أصناف جديدة أكثر قدرة على تحمل التغيرات المناخية، مثل الجفاف».
وقال بكاوي، في تصريح لـLe360، «خلال السنة الماضية سجلنا تراجعا في إنتاج الحبوب بنسبة 70 في المائة بسبب الجفاف، حيث انتقل الحجم الوطني من 100 مليون في عام 2021 إلى 30 مليون قنطار سنة 2022».
البحث الزراعي محور أساسي في تطوير الفلاحة المغربية
وفق ما وثقته كاميرا Le360 بمحطة التجارب مرشوش بإقليم الخميسات، التي تعد الأكبر على المستويين الوطني والإفريقي، يتواجد اثنان وسبعون نوعا من الحبوب الخريفية، أثبتت قدرتها على تحمل الظروف الصعبة وتوالي سنوات الجفاف، لكل واحدة منها مميزاتها، ونوع التربة الملائم لها وكذا المنطقة التي يستحسن زراعتها فيها.
يقول الغزواني، وهو رئيس ضيعة التجارب الفلاحية بمرشوش، إن هذه الأخيرة تعتمد على الزراعات البورية، أي تلك التي تحتاج لمياه الأمطار من أجل روي عطشها.
وأوضح المتحدث، في تصريح لـle360، أن هذه الضيعة التي تعد الأكبر من حيث المساحة، كانت شاهدة على عدة تجارب سواء في زراعة الحبوب الخريفية أوالبقوليات، وذلك بهدف استنباط حبوب جديدة ذات مردودية عالية مقاومة للأمراض والتناثر.
وأشار المسؤول على ضيعة التجارب إلى أن باحثي وتقنيي المعهد الوطني للبحث الزراعي قامو خلال العشر سنوات الأخيرة باستنباط حوالي 20 نوعا جديدا من الحبوب، مشددا على أنهم مازالوا يبذلون جهودا مضاعفة لاستنباط أنواع جديدة والتي يمكن أن تتراوح بين 30 و50 نوعا في أفق سنة 2030.
أصناف واعدة
نشيط، جبل، جواهر (القمح الصلب)، وشفاء، آسية وخناتة (الشعير)، هي آخر الحبوب التي تم استنباطها من قبل المعهد الوطني للبحث الزراعي وشركائه.
ووفق المعلومات التي حصلنا عليها من خبراء المركز، يتميز النوع الأول الذي أطلق عليه اسم «نشيط»، بحبوبه الكبيرة وجذور العميقة التي يمكنها أن تجمع الماء، وأثبتت الأبحاث والدراسات بأنه مقاوم للجفاف، وتقدر مردوديته بحوالي 59 قنطارا في الهكتار بالنسبة لمناطق البور الملائم، وحوالي 41 قنطارا في الهكتار بالمناطق شبه الجافة.
أما الصنف الثاني، الذي يحمل اسم «جبل» وأصدرته مقاولة «بنشعيب للبذور»، فيتميز هو الآخر بحبوبه الكبيرة، شديدة الصلابة، إلى جانب إنتاجه الوفير والذي قد يتجاوز 50 قنطارا في الهكتار في المناطق البورية الملائمة.
وفي ما يخص الصنف الثالث الذي يحمل اسم «جواهر» وتم تسجيله في السجل الرسمي للقمح سنة 2022، فيعتبر من أفضل الأصناف إنتاجية، حسب خبراء المعهد، ويتميز بمقاومته للحشرة الخطيرة ذبابة هس «La mouche de hesse»، وتناهز مردوديته القصوى 70 قنطارا في الهكتار.
وبخصوص أصناف الشعير، تتميز «آسيا» بكونها أول صنف من الحبوب بدون قشرة في بلدان المغرب العربي، ومن أبرز خصائصها مقاومة حشرة «الرقاد»، التبقع الشبكي والبياض الدقيقي، يوصى باعتماده افي المناطق الملائمة لكون قدرةتحملها للجفاف متوسطة. وتبلغ مردوديتها القصوى 65 قنطارا في الهكتار.
أما «شفاء» والتي تعتبر أول صنف بحبوب بدون قشرة على مستوى القارة الإفريقية، فتقدر مردوديتها القصوى بـ65 قنطارا في الهكتار، وهي الأخرى ينصح باعتمادها في المناطق الملائمة كونها متوسطة التحمل للجفاف.
وفي ما يخص الصنف الثالث من الشعير، والذي أطلق عليه اسم «خناتة»، فهو موجه لاستعماله في علف الحيوانات، وأثبت قدرته على تحمل الجفاف، لذى يمكن استعماله في المناطق الجافة وشبه الجافة، وتقدر مردوديته القصوى بحوالي 90 قنطارا في الهكتار.
وحسب جيلان عبد الرزاق، منسق برنامج الحبوب بالمعهد الوطني للبحث الزراعي، هذه الحبوب «أثبتت قدرتها على الحفاظ على مردودية جيدة رغم تواجدها في مناطق جافة».
تحقيق السيادة الغذائية
أكد موحى فراحي، رئيس قسم التحسين الوراثي والمحافظة على الموارد الجينية بالمعهد الوطني للبحث الزراعي، بأن اعتماد هذه الحبوب واختيار المناطق الملائمة إلى جانب اعتماد السقي التكميلي، ستمكننا من تحقيق السيادة الغذائية، خصوصا في ما يتعلق بإنتاج الحبوب الذي يعتبر العمود الفقري للفلاحة المغربية بمساحة تناهز 4.5 مليون هكتار.
وأشار فراحي، في تصريح لـle360، إلى أن الهدف الرئيسي لاستراتيجية الجيل الأخضر، يتمحور حول رفع الانتاجية، مشيرا إلى أن المردودية المتوسطة على الصعيد الوطني حاليا لا تتجاوز 20 قنطار في الهكتار، ولتحقيق أهداف المخطط يجب رفعها بحوالي 50 في المائة في أفق سنة 2030.
الإنتاج الوطني من الحبوب قبل وبعد مخطط المغرب الأخضر
منذ إطلاق مخطط المغرب الأخضر سنة 2008، الذي وضع في صلب معادلته تطويرالإنتاج ووضع الفلاحة في قلب الاقتصاد الوطني، عرفت سلاسل الإنتاج الفلاحي تطورا ملحوظا، تعكسه الأرقام والإحصائيات.
وحسب معلومات رسمية صادرة عن وزارة الفلاحة، فقد مكن هذا المخطط خلال الفترة الممتدة من سنة 2007 و2019، من رفع مردودية الهكتار الواحد من الحبوب بنسبة 42%، وذلك من 12 إلى 17 قنطار، في حين وصل اليوم إلى حوالي 20 قنطار في الهكتار.
أما الإنتاج، فعرف بدوره تحسنا بنسبة 25%، منتقلا من 64 مليون قنطار (ما بين 2003 و2007) إلى 80 مليون قنطار ( ما بين 2015 و2019)، رغم انخفاض المساحات المزروعة وطنيا بالحبوب بنحو ناقص 32%، حيث انتقلت من 5,35 مليون هكتار في 2008 إلى 3,65 مليون هكتار في 2019.
هذه الأرقام، عادت لتنخفض بعد سنة 2019، وذلك راجع إلى توالي سنوات الجفاف التي عانت خلالها المملكة من قلة التساقطات المطرية وتراجع مواردها المائية إلى مستويات قياسية دفعتها إلى دق ناقوس الخطر.
يقول موحى فراحي، إن هذه الأسباب هي التي جعلت المعهد الوطني للبحث الزراعي إلى تكثيف أبحاثه وتعزيز برنامج التحسين الوراثي لاستنباط أصناف من الحبوب إنتاجها مستقر ولها القدرة على مقاومة الضروف الصعبة المرتبطة بالتغيرات المناخية.