باحث يفسر الظاهرة.. نتائج المنتخب الوطني تطرد الضغوط وتفجر الفرح الجماعي

مغربيات ومغاربة يحتفلون بانتصار المنتخب الوطني لكرة القدم

في 27/01/2024 على الساعة 10:00, تحديث بتاريخ 27/01/2024 على الساعة 10:00

يلاحظ في الأعوام الأخيرة أن الجمهور المغربي أضحى يتحين الفرص بل أنصافها للتعبير عن الفرح، وغالبا ما يظهر التعبير عن الفرح الجماعي، مع تحقيق نتائج جيدة على الصعيد الرياضي خاصة كرة القدم، وبشكل أخص حين يحقق المنتخب الوطني لكرة القدم نتائج جيدة.

والملاحظ أن المرء أصبح يحتفل بإنجازات لم يكن يعيرها أي اهتمام، إذ لا يجري الاحتفال فقط بالإنجازات غير المسبوقة، وهذا ليس خاصا بالمجتمع المغربي، الذي ظهرت عليه ليس فقط الرغبة في الاحتفال، مع مطلع الألفية الحالية، علما أن الذاكرة تحتفظ بأول احتفال بإنجاز رياضي، بمناسبة تأهل المنتخب الوطني لكرة القدم للدور الثاني من منافسات مونديال 1986، وبعد ذلك أضحى الاحتفال بإنجازات أقل، فالجمهور المغربي لم يكن يخرج للاحتفال بإنجازات في السابق، بالإنجازات الكروية، أضحى يخرج ويسهر الليالي لتفجير فرحه الجماعي.

في الواقع هذا الأمر لا يقتصر على الجمهور المغربي، إذ أصبحت جماهير منتخبات تذوقت أكثر من مرة لذة الفوز بكأس العالم تحتفل بمجرد تحقيق التأهل لنهائيات قارية أو نهائيات كأس العالم.

ولعل هذا يفسر الضغوطات التي أصبح الانسان في مختلف أنحاء العالم يعيش تحت وطئها، وبالتالي لا يضيع أبسط الفرص وأصغرها للفرح، ولم يعد الناس يكتفون بالتعبير عن الفرح الفردي بل أضحى الفرح الجماعي من مميزات فرح الإنسان في هذا القرن.

ويرى سعيد بنيس، الباحث في علم الاجتماع، أنه « فيما يتعلق بلحظات الفرح يمكن التمييز بين لحظات فرح فردية ولحظات فرح جماعية. فالأولى تدخل في إطار خصوصي يرتبط بميولات الفرد وتمثلاته الشخصية حول الفرح أما لحظات الفرح الجماعية فهي أزمنة مجتمعية تنهل من التمثلات المشتركة التي تحيل أساسا على عناصر الهوية والانتماء، فتصير الإنجازات الرياضية للفريق الوطني لكرة القدم مثل ما عشناه مع مونديال قطر أو ما نعيشه حاليا مع كأس إفريقيا للأمم إنجازات للأفراد والجماعات فتتحول لحظات الفرح من فضاء خصوصي ومغلق إلى فضاء عمومي ومنفتح ».

ويضيف بنيس، الذي استفسره موقع le360 عن الظاهرة، أن « هذا الانفتاح مس جميع فئات المجتمع، فإذا كانت لعبة كرة القدم سابقا لعبة ذات منحى ذكوري وبمثابة تعويض وتنفيس للضغوطات اليومية، ففي الراهن المغربي ولا سيما مع إنجازات مونديال قطر أضحت اللعبة كذلك ذات تشكل أنثوي يساعد النساء والفتيات على تجاوز ضغوطات العمل والدراسة والأشغال المنزلية. وتباعا صارت لحظات الفرح الجماعية مشتركة بين الرجال والنساء في الفضاء العمومي ».

وبرزت كذلك في نظره « مجالات جديدة للفرح ألا وهي المقاهي التي في غالبيتها كانت في لحظات المباريات الكروية حصرا على الرجال. أما الآن تحولت المقاهي وبعض الساحات العمومية إلى فضاءات للحظات فرح جماعي، وكذلك عائلي، وفي المقابل جرى التخلي على البيوت والمنازل كفضاءات للفرح الجماعي وكمواقع لتجاوز الضغوطات اليومية ».

وردا على سؤال حول أسباب الظاهرة التي لا تخصنا، بل أضحت عالمية طالما أن بلدانا لها باع في عالم الرياضة وفازت بكأس العالم ويبحث مواطنوها عن نصف فرصة لتفجير فرح جماعي يقول:

نعم صارت الظاهرة عالمية، وليست حكرا على قارة بعينها أو بلد بعينه. إن هذا التحول يمكن فهمه من خلال استقراء النمط الجديد للعيش المشترك والرابط الاجتماعي داخل المجتمعات حيث ينحو منحى الفردانية والانعزالية فتصير انتصارات كرة القدم كنوع من أنواع إحياء عناصر العيش المشترك ومقومات الانتماء، فتتوازى الإنجازات الرياضية مع الانتصارات الهوياتية. ففي الحالة المغربية، يمكن اعتبار إنجازات المنتخب الوطني في مونديال قطر بمثابة إحياء لمشاعر « تَمَغْرِبِيتْ » كوعاء حضاري وتاريخي وثقافي وإنساني يحتضن الجميع على اختلافاتهم الترابية واللغوية. ويحتضن كذلك ثنائية مغاربة الداخل ومغاربة الخارج.

كما أن غياب المباريات بعد انتهاء المونديال لم يؤثر على هذا الإحساس الجماعي بالفرح بالنظر إلى أن الدخول في العهد الرقمي وطفرة التفاعلات والمواقع الاجتماعية أدى إلى تخليد الإنجازات واستمراريتها في الزمن الافتراضي وصارت الخواريزمات والتطبيقات الرقمية تلعب دور الذاكرة الجماعية من خلال تذكير رواد المواقع الاجتماعية بالأحداث التي عاشوها وكانوا شاهدين عليها. لهذا يمكن استنتاج أنه ليس هناك شعور غريب بل فقط انتظار وترقب لمناسبات أخرى تعيد زمن الفرح وتكون جسرا لمشاعر الانتماء وتجسيدا لروح « تَمَغْرِبِيتْ ».

وسيلة أخرى للفرح الجماعي

استغل موقع le360 الفرصة ليسأل هذا الباحث في علم الاجتماع حول هل يمكن اعتبار ظاهرة أمين بودشار الذي يشرك الجمهور في الغناء وضعا للأصبع على الجرح المتمثل في حاجة الناس الى أن يفرحوا؟

وجوابا عن هذا السؤال قال: « نعم الحاجة للفرح هي حاجة مجتمعية مثلها مثل الحاجيات المادية تندرج تحت مسمى الحاجات غير المادية أو الحاجات الرمزية مثل السعادة والكرامة. لهذا فظاهرة أو تجربة بودشار لاقت استحسانا في المغرب وفي دول أخرى مثل مصر لأنها أساسا حولت الفرح الفردي الذي تمنحه الموسيقى كفعل يستقبله الفرد إلى فرح جماعي تصنعه الموسيقى من خلال تشارك الحاضرين في أداء الأغنية وليس فقط سماعها واستقبالها.

إن الحاجة إلى الفرحة الجماعية تنبع من شعور يجعل من الإنجازات مثلا تأدية أغنية أو في حالة المنتخب الوطني إنجازات ينصهر فيها الجميع وتحيل على حالة من الارتياح والشعور الوجودي والانخراط العالمي والإقليمي. يمكن من هذه الزاوية اعتبار مظاهر الفرح الجماعي التي عبرت عليها الجماهير المغربية نوعا من أنواع التميز الثقافي والانفتاح الانساني.

تحرير من طرف حسن العطافي
في 27/01/2024 على الساعة 10:00, تحديث بتاريخ 27/01/2024 على الساعة 10:00