في مقالتي السابقة، تطرقت إلى الجزء الشمالي من الحدود الجزائرية-المغربية التي حددتها معاهدة للامغنية عام 1845. اليوم، دعونا نرى ما حدث جنوب فكيك، فيما سمّاه المفاوضون القطاع الثالث.
- القطاع الثالث
في الصحراء (البند 4)، استبعدت اتفاقية لامغنية التقسيم الترابي، لأنها نصت على أن الأمر يتعلق بـ«الصحراء (...) فإن تسطير الحدود سيكون غير ضروري» (البند 6).
واستنادا إلى البند السادس، تزعم الجزائر أن المغرب وفرنسا اعترفا ضمنا بأن الصحراء كانت آنذاك «أرضا خلاء»، وتعود ملكيتها إلى المحتل الأول، أي إلى فرنسا التي تعتبر الجزائر وريثتها.
هناك اعتراضان رئيسيان على هذه الأطروحة، أحدهما جغرافي والآخر تاريخي:
- هذه المنطقة ذات المناخ الصحراوي لم تكن صحراء في تعريفها المتعارف عليه لأنها تضم ثلاثمائة قصر، على وجه الخصوص، على طول وادي الساورة، وعلى طول 600 كيلومتر. وفضلا عن ذلك، فهي معروفة تماما لدى المغاربة، لأنها كانت تعبرها وتنشطها منذ القدم طريق تجارية تنطلق من مراكش وتافيلالت وتنتهي في النيجر مرورا بتوات والساورة.
- حتى نهاية القرن التاسع عشر كانت المنطقة تحت السيادة المغربية. يحفظ الأرشيف عددا من الوثائق المرتبطة بتعيين ممثلين عن المخزن، الذين يديرون شؤون تلك المناطق، ويحكمون بين الناس ويستخلصون الضرائب. أما الصلاة فكانت تقام باسم السلطان المغربي.
إن الحدود بين الجزائر الفرنسية والمغرب، التي أنشئت عام 1845 خلال اتفاقيات للامغنية، لا تتعلق إلا بالجزء الشمالي، أي من البحر الأبيض المتوسط إلى ثنية الساسي. لكن مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، اندفعت القوات الفرنسية نحو «الجنوب الكبير»: الساورة وقورارة وتوات وتيديكلت، وهي منطقة واسعة أطلقت عليها الإدارة الاستعمارية اسم «منطقة الواحات».
وعلي طول الطريق الطبيعي الذي تنتشر فيه الواحات المزروعة بالنخيل، والممتد من فكيك إلى عين صالح، كانت الحقوق المغربية ضاربة في القدم. وبالتالي، كانت هذه أراض صحراوية تابعة للمملكة المغربية، والتي بترت منها عنوة لتشكل مقاطعات جزائرية، أي «مقاطعات الجنوب».
وكان مشروع السكك الحديدية العابر للصحراء هو الذي دفع فرنسا للسيطرة على هذه المناطق، وأقصر طريق هو طريق الغرب، أي عبر الساورة وتوات حتى مالي الحالية، أي السودان الفرنسي سابقا. غير أن المشكل هو أن هذه المناطق كانت تقع في القطاع الثالث المحدد في للامغنية، أي جنوب فكيك، حيث لم يتم ترسيم الحدود. تم استكشاف هذه المنطقة واحتلالها تدريجيا من قبل قوات عسكرية فرنسية قادمة من غرب إفريقيا الفرنسية وجنوب المغرب وجنوب غرب الجزائر.
وكانت الاستراتيجية الفرنسية آنذاك هي الوصول إلى قورارة عبر وادي زوزفانة وإقلي.
وسنرى في مقالتي التالية كيف تم ضم إقلي وتبلبالة وبشار وتندوف إلى الجزائر الفرنسية.