المؤرخ الفرنسي برنارد لوغان يكتب: ڤانسون-إيڤ بوتان.. الرجل الذي خطّط لحملة الجزائر الفرنسية في يوليوز 1830

Bernard Lugan.

المؤرخ الفرنسي برنارد لوغان

في 08/07/2025 على الساعة 11:00

مقال رأيأنشأت فرنسا كيان «الجزائر» عبر انتزاع هذا الإقليم من الدولة العثمانية. وقد أُتيحت لها السيطرة على الجزائر بفضل خطة وُضعت سنة 1809 من طرف ڤانسون-إيڤ بوتان، الضابط الذي نسيه التاريخ. بعد واحد وعشرين عاما، وتحديدا في يوليوز 1830، نُفّذت خطته بالحرف على يد الجنرال دي بورمون خلال غزو الجزائر.

رغم فشل العديد من المحاولات السابقة للسيطرة على الجزائر بحرا، خصوصا من طرف الإسبان، فقد نجحت الحملة الفرنسية بفضل رؤية بوتان الذي أدرك أن المدينة لا بد أن تُهاجم برا، لأن جميع تحصيناتها الدفاعية كانت موجهة نحو البحر.

ولد ڤانسون-إيڤ بوتان قرب مدينة نانت في فاتح يناير 1772، وتوفي في سوريا سنة 1815. وقد شارك، بصفته ضابطا في سلاح المهندسين، في عدد من المعارك الكبرى. وبعد توقيع اتفاقية تيلسيت في يوليوز 1807 التي أنهت الحرب القارية، بدأ نابليون بونابرت يُفكّر في حملة على الجزائر. ومن أجل التحضير لها، كلف بوتان بالتوجه سرًا إلى الجزائر لدراسة خيارات الإنزال البحري الممكنة. رسميا، كانت زيارته تحت غطاء زيارة قريبه المزعوم، القنصل الفرنسي في الجزائر، ديبوا-تانفيل.

في 24 ماي 1808، نزل بوتان في الجزائر، وتظاهر بعناق « ابن عمه العزيز »، القنصل، كجزء من التمويه. بدأ في إجراء جولات على الساحل، متذرعا بالخروج في رحلات صيد، وكان خلال ذلك يقيس عمق المياه باستخدام خيط مزود بثقل، ليتعرف على نقاط الإنزال الممكنة.

وفي ختام ملاحظاته، كتب: «للسيطرة على الجزائر برا، لا بد من الاستيلاء على حصن الإمبراطور الذي يهيمن على كل التحصينات الأخرى. ومن هنا يجب أن تبدأ الهجمة».

إلا أن تحديد نقطة الإنزال المثلى ظل ضروريا، وقد وجدها بوتان في منطقة سيدي فرج، لما تتمتع به من ميل خفيف، وشاطئ سهل الوصول، وقاع رملي. واستخلص أن الإنزال يجب أن يتم هناك، بعيدا عن دفاعات المدينة، لشن هجوم بري مباغت من الخلف.

وبعد إنهائه مهمته، غادر بوتان الجزائر على متن سفينة « القرش » في 17 يوليوز متجها نحو نيس، غير أن السفينة أُوقفت قبالة أجاكسيو من طرف فرقاطة بريطانية، فوقع في الأسر. اضطر بوتان إلى إتلاف جميع وثائقه برميها في البحر، باستثناء دفتر صغير نجح في إخفائه.

اقتيد بوتان إلى سجن مالطا، لكنه تمكن من الفرار. وفي 31 غشت، سرق ملابس وتقمص شخصية بحار إيطالي يُدعى «نيكولو»، وانضم إلى طاقم سفينة متوجهة إلى القسطنطينية. وبعد رحلة مليئة بالمخاطر، وصل إلى باريس يوم 4 نونبر، أي بعد ثلاثة أشهر من مغادرته الجزائر، حيث حرّر من ذاكرته وبمساعدة دفتره الصغير تقريرا مفصلا تحت عنوان: «استطلاع لمدينة الجزائر وحصونها». احتوى التقرير على خرائط ورسومات دقيقة، ووصفا للحصون، ومواقع المدفعية، وقوة الجيش والأسطول الجزائري.

وفي 21 فبراير 1809، استُقبل بوتان في قصر التويلري من طرف الإمبراطور نابليون نفسه.

وبعد 21 سنة، في يوليوز 1830، نُفّذ هذا المخطط حرفيا على يد الجنرال دي بورمون في الحملة الفرنسية على الجزائر.

ومع ذلك، لم تنتهِ مغامرات بوتان.

في 15 يوليوز 1810، استُدعي بوتان إلى باريس بأمر من نابليون، وعُيّن كولونيل. أوفده الإمبراطور إلى مصر في مهمة سرية، بهدف جمع تقرير مفصل عن الوضع الجيوسياسي للمنطقة. ظاهريا، كانت مهمته « أثرية ».

وصل إلى الإسكندرية في أواخر ماي 1811، ثم توجه إلى طيبة ووادي الملوك، حيث قام بأعمال تنقيب، ثم انتقل إلى جزيرة العرب، قبل أن يعود إلى مصر.

في الإسكندرية، دُعي إلى مأدبة عشاء من طرف القنصل البريطاني، حيث جلس بجانب السيدة ليدي هيستر ستانهوب، ابنة اللورد تشاتهام وابنة أخت ويليام بيت. وقع بوتان فورا في سحر هذه السيدة الأنيقة والغامضة.

بعد ذلك، فقدت آثار مهمة بوتان. آخر ما عُرف عنه أنه كان في حلب صيف 1814، ثم اغتيل بعد أشهر بين حلب واللاذقية، بينما كان يعبر جبال طوروس والأنتي طوروس.

قامت ليدي ستانهوب بالبحث عنه، لكن جثته لم يُعثر عليها أبدا.

تحرير من طرف برنارد لوغان
في 08/07/2025 على الساعة 11:00