إن العلاقات بين المغرب والإمارات العربية المتحدة، القوية والدائمة، والمتسمة بالأخوة الصادقة والثابتة، تدخل مرحلة غير مسبوقة. نادرا ما يربط بلدان، حتى لو كانا متقاربين، مصيرهما بهذه الطريقة. إن التأمل في الزيارة الرسمية التي قام بها الملك محمد السادس يومي 4 و5 دجنبر إلى أبو ظبي، بدعوة من رئيس الإمارات محمد بن زايد آل نهيان، يظهر أهمية تحالف سيغير وجه المغرب والإمارات العربية المتحدة على حد سواء. وهكذا هذين البلدين، اللذين تفصلهما مسافة طويلة، يقدمان الدليل على أن المصالح الجيواستراتيجية أهم من القرب الجغرافي. وهذا ليس مجرد أمنيات أو حتى شعارات فارغة التي يحب بعض الزعماء العرب ترديدها.
لنتجاوز الترحيب الكبير الذي خصص للعاهل المغربي. فلم يسبق أن استقبلت الإمارات زعيم دولة بهذه الطريقة. صور هذا الاستقبال تتحدث عن نفسها.
ولنتجاوز الكلمات، المفعمة بالشاعرية والأصالة العربيتين، التي توجه بها محمد بن زايد آل نهيان إلى محمد السادس، إذ قال: «أرحب بأخي الملك محمد السادس في بلده وبين أهله».
أرحب بأخي الملك محمد السادس في بلده وبين أهله. أجرينا مباحثات بناءة حول سبل تعزيز العلاقات الأخوية والتاريخية بين بلدينا ووقعنا إعلاناً نحو شراكة مبتكرة وراسخة في مختلف المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية التي تحقق النماء والرخاء للشعبين الشقيقين. الإمارات والمغرب يشتركان… pic.twitter.com/v6eEpGspS9
— محمد بن زايد (@MohamedBinZayed) December 4, 2023
لنركز فقط على محتوى إعلان «نحو شراكة مبتكرة وراسخة بين المملكة المغربية ودولة الإمارات العربية المتحدة»، الموقع من قبل قائدي البلدين، وهو محتوى مكثف ودقيق وواضح المعالم. إنها سابقة ذات قيمة رمزية وبراغماتية. وفي هذا الصدد أوضح الخبير الاقتصادي المهدي الفقير: «هذا العمل الفريد هو في حد ذاته إشارة قوية. إنه يؤكد على الالتزام الشخصي لقائدي البلدين لتحقيق النجاح الكامل لهذه المرحلة الجديدة والعظيمة». إنها طريقة للقول إن الرجال هم الذين يكتبون التاريخ، وفي هذه الحالة، رئيسا البلدين واعيان بما يكتبانه: مستقبل مشرق. مستقبل مشرق لبلديهما، بل للمنطقة برمتها، يرسمه زعيمان لهما رؤية طموحة، وطاقة هادئة لترجمته على أرض الواقع، زعيمان يفضلان الأعمال العظيمة على الكلمات المعسولة، ولكنها فارغة من أي محتوى. بالنسبة لمحمد بن زايد آل نهيان، كما بالنسبة لمحمد السادس، الأفعال تطابق الأقوال.
وبدوره أوضح محمد جادري قائلا: «لدى البلدين أيضا استراتيجيتان مستقبليتان متكاملتان. فالمغرب يعتزم، من خلال نموذجه التنموي الجديد في أفق 2035، بشكل خاص مضاعفة ناتجه الداخلي الخام. أما الإمارات فلديها رؤية سنة 2031 والتي تهدف إلى أن تكون ضمن العشرة الأوائل على مستوى العالم في عدد من القطاعات، لا سيما في ما يتعلق بالاستثمارات الأجنبية». وفي هذا الصدد، يدير جهاز أبو ظبي للاستثمار وحده أصولا تصل قيمتها إلى 853 مليار دولار في عام 2023، مما يضعه في المرتبة الرابعة بين أكبر الصناديق السيادية في العالم.
«المال ليس هو المشكلة»
وتعد الإمارات العربية المتحدة بالفعل من بين المستثمرين الأجانب الرئيسيين في المغرب، كما تعد المملكة واحدة من أفضل 10 وجهات لهذا البلد الخليجي في هذا المجال. ولكن حتى الآن، حصلت دول مثل بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا والهند وتركيا على نصيب الأسد من الاستثمارات الإماراتية.
ولا شك أن هذا الوضع سوف يتغير. وعلق محمد جادري قائلا: «إن المغرب، وهو بلد مستقر وموثوق وذو رؤية مستقبلية، لديه العديد من المزايا التي تجعله وجهة لرؤوس الأموال الإماراتية، التي يمكن أن تكون حاسمة في إطار منطق رابح-رابح». ويتناول هذا الإعلان جميع فرص التنمية في المغرب وجميع القطاعات، أو معظمها تقريبا. وفي هذا الإطار، تساهم الإمارات في جميع المشاريع والاستراتيجيات التنموية الكبرى الجاري تنفيذها في المملكة، مما يوفر التمويل اللازم والدعم. الوقت وقت الأمور الملموسة. ويشار في هذا الصدد، من بين أمور أخرى، إلى توسيع السكك الحديدية، مع إعطاء الأولوية على وجه الخصوص لخط القطار فائق السرعة بين القنيطرة ومراكش، وتطوير المطارات، بما في ذلك مطارات الدار البيضاء ومراكش والداخلة والناظور، وتطوير الموانئ من خلال الاستثمار في تدبيرها، خاصة ميناء الناظور غرب المتوسط.
Le roi Mohammed VI et le président émirati Mohammed Ben Zayed Al Nahyane, le 4 décembre 2023.
وينضاف إلى ذلك نقل وتدبير المياه والطاقات المتجددة وإنتاج الهيدروجين الأخضر ومشتقاته، ونقل الطاقة، ولا سيما بناء واستغلال خطوط نقل الطاقة، والكهرباء، والأمن الغذائي، من خلال استكشاف فرص الشراكة مع مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط في مجال الأسمدة، دون أن ننسى إحداث وتدبير أسطول بحري تجاري، أحد ركائز الاستراتيجية الأطلسية الجديدة للمغرب.
كما تمت مناقشة الاقتصاد الرقمي والصناعة والفلاحة والصناعات الغذائية والمجال المالي وأسواق الرساميل، فضلا عن الشراكة بين الصناديق السيادية والاستثمارية للبلدين. هذا بالإضافة إلى المشاريع ذات الطابع الاجتماعي كإعادة إعمار المناطق المتضررة من زلزال الحوز، وكذلك تأهيل المؤسسات المدرسية والجامعية والصحية.
الصحراء الأطلسية، الإلدوارادو الجديدة
إفريقيا ليست بعيدة أبدا عن كل هذا الأمر. ففي قلب خارطة الطريق الجديدة هذه توجد دراسة إمكانيات التعاون في تطوير البنية التحتية الطاقية مع البلدان الإفريقية. بدءً بمشروع خط أنابيب الغاز إفريقيا-الأطلسي، أي المغرب ونيجيريا، والذي سيتطلب مساهمة تبلغ حوالي 25 مليار دولار.
وإذا كانت هناك منطقة تحظى باهتمام خاص فيما يبدو وكأنه خطة مارشال حقيقية، فهي منطقة الصحراء. كل ذلك في إطار تعاون براغماتي وملموس من خلال المشاريع المهيكلة. تعاون اقتصادي واستثماري شامل ومتوازن ومفتوح أمام القطاع الخاص. ومن ثم تعتزم الإمارات العربية المتحدة الاستثمار في مشروع ميناء الداخلة الأطلسي العملاق، وهو عنصر أساسي في مخطط تنمية الأقاليم الجنوبية وبوابة مهمة للمغرب نحو إفريقيا والعالم، والذي من المقرر الانتهاء منه في عام 2028، بغلاف مالي إجمالي يقدر بـ12.5 مليار درهم.
وأيضا هناك رغبة في تطوير مشاريع مشتركة في مجال السياحة والعقارات على ساحل البحر الأبيض المتوسط، ولكن أيضا وقبل كل شيء في منطقتي الداخلة وطرفاية. وذلك على غرار تهيئة وتطوير المشروع المتكامل «بوابة الداخلة نحو إفريقيا»، والذي يعد الميناء المذكور أيضا لبنته الأولى. وأشار المهدي الفقير قائلا: «بعد الدعم السياسي وفتح قنصلية على وجه الخصوص في الأقاليم الجنوبية، كان من الطبيعي أن يتبع ذلك الاستثمار. وهذا يندرج في إطار منطق دعم المغرب وسيادته وطموحاته».
وهكذا ما لا يقل عن 12 مذكرة تفاهم تم التوقيع عليها لتجسيد كل هذه النوايا على أرض الواقع. وأخرى ستتم دراستها والانتهاء منها خلال مدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر من تاريخ الإعلان. كما سيتم وضع آلية لتنفيذ ومراقبة المشاريع المبرمجة، وستجتمع بشكل دوري، بالتناوب بين المغرب والإمارات العربية المتحدة. وسترفع تقاريرها إلى الجهات المختصة. وبالتالي، يمكن القول إن صفحة جديدة تكتب بين المغرب والإمارات العربية المتحدة.
بعض ألسنة السوء ستقول إن الإمارات العربية المتحدة ستستحوذ على العديد من القطاعات الإنتاجية في المغرب. وهذا ليس صحيحا البتة. وختم المهدي الفقير قائلا: «إنه جهل تام بتاريخ البلدين والعلاقات بينهما. منذ قيام دولة الإمارات، كان المغرب يقف دائما إلى جانب هذا البلد. والعكس صحيح. ونتذكر أن الإمارات هي التي قدمت دعمها الكامل للمملكة في ذروة الأزمة الاقتصادية التي مرت بها في الثمانينات، ورغم أن الوضع تغير منذ ذلك الحين، إلا أن الدعم الإماراتي لم يتراجع أبدا. والآن يأخذ الأمر شكلا جديدا: شراكة رابح-رابح على جميع المستويات. في عالم اليوم، لا يمكن لأحد أن يدعي أنه قادر على المشي بمفرده. بالنسبة لكلا البلدين، يعد هذا خيارا جيواستراتيجيا كبيرا. ولا يسعنا إلا أن نسعد بذلك».