ولد عبد الله بن عائشة في منتصف القرن السابع عشر (1646) بمدينة سلا، وكان كغيره من أبناء هذه المدينة الساحلية ينتمي إلى عالم القرصنة، حيث قاد عمليات ضد السفن الأوروبية، وخاصة الفرنسية والبريطانية. فقد عرف البحر كقرصان، ثم استغل خبرته البحرية ودهاءه ليصبح لاحقا « قبطان البحر » وسفيرا للسلطان مولاي إسماعيل.
نشأة قرصان ودبلوماسي بارع
في عام 1680، وقع ابن عائشة أسيرا في يد البحرية البريطانية بعد حادثة استيلاء على سفينة إنجليزية، فاقتيد إلى بريطانيا وحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات.
ورغم أسره، أثبت دهاءه وذكاءه، مما دفع جيمس الثاني، ملك بريطانيا فيما بعد، للتدخل وإطلاق سراحه. لقد كانت هذه التجربة، التي أتاحت له التعرف على المجتمع الأوروبي وعاداته، نقطة تحول في مسيرته، ومهدت لنجاحاته في الساحة الدبلوماسية.
بين الحرب والسلام
عندما أصبح السلطان مولاي إسماعيل بحاجة إلى تمثيل قوي في الساحة الدولية، كانت شهرة ابن عائشة كقائد بحري ودبلوماسي محنك قد سبقته. فعينه السلطان سفيرا إلى لويس الرابع عشر ملك فرنسا، بهدف تخفيف حدة التوتر المتزايد بين البلدين نتيجة هجمات القراصنة المغاربة على السفن الفرنسية واحتجاز رعاياها.
انطلقت مهمة ابن عائشة عام 1689، وتجلت مهارته التفاوضية في مقايضة إطلاق سراح الأسرى الفرنسيين مقابل تزويد المغرب بالسلاح. كان المولى إسماعيل يسعى لتعزيز جيشه بالسلاح الأوروبي لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية.
وعلى الرغم من عدم إتقانه الفرنسية، إلا أن ابن عائشة أظهر فهما عميقا لدسائس السياسة الفرنسية، مما ساعده على إدارة التفاوض بذكاء.
قصة شقيقة الملك
اشتهرت قصة مفادها أن ابن عائشة قد طلب يد الأميرة آن دوبوربون، شقيقة لويس الرابع عشر، وذلك كجزء من استراتيجيته السياسية.
تضاربت الروايات حول حقيقة هذا الطلب؛ فبينما يرى البعض أنه كان مجرد محاولة ذكية لخلق تقارب سياسي بين البلدين، يعتبره آخرون شائعة أطلقها الفرنسيون كرد على دعوة السلطان مولاي إسماعيل للملك لويس باعتناق الإسلام.
دبلوماسي استثنائي
في باريس، أصر ابن عائشة على مقابلة الملك لويس الرابع عشر مباشرة، رافضا التفاوض مع مستشاريه دون لقاء شخصي مع الملك. وبعد تحقيق مطلبه، ألقى خطابا بليغا باللغة العربية في قصر فرساي، أظهر فيه ذكاء استثنائيا وقدرة على الدفاع عن مصالح المغرب والتعبير عن الإسلام بطريقة أثارت إعجاب الفرنسيين.
كان عبد الله بن عائشة قد نجح في ترك بصمة تاريخية في مسار العلاقات المغربية الفرنسية، وقد احتفظت الوثائق الأوروبية باسمه كرمز دبلوماسي مغربي فذ.
هكذا، من خلال دهائه وحنكته، تحول عبد الله بن عائشة من قرصان جريء إلى دبلوماسي محنك يمثل المغرب أمام القوى الأوروبية، مقدما درسا في القدرة على التكيف وإعادة بناء الذات، ورسم صورة مشرقة للدبلوماسية المغربية على الساحة العالمية.