المؤرخ الفرنسي برنارد لوغان يكتب: النظام الجزائري يمنع أي تشكيك في التاريخ المزيف الذي كتبه المستفيدون من الاستقلال

Bernard Lugan.

المؤرخ الفرنسي برنارد لوغان

في 10/12/2024 على الساعة 11:00

مقال رأيمن هنا تأتي استحالة مراجعة تاريخ أصبح بمثابة عقيدة، ولهذا السبب، يؤدي أي تشكيك فيه مباشرة إلى السجن. وبهذا، يصبح من المستحيل كتابة تاريخ علمي للجزائر. ومن هنا نفهم لماذا كان « العمل على الذاكرة المشتركة » الذي دعا إليه إيمانويل ماكرون مجرد مهزلة في نظر الجزائر.

احتجاز بوعلام صنصال مثال واضح على حالة الانزعاج الجزائري من التاريخ. في كتاب «الداء الجزائري» (سلسلة Bouquins) الذي نُشر في يونيو 2023، كتب جان-لويس لوفيت وبول توليلا في هذا الشأن:

« يبدو أن البوصلة التاريخية للجزائر عالقة عند حرب الاستقلال، التي تحتل مكانة خاصة في الخطاب الرسمي للدولة الجزائرية، حيث تدّعي احتكار حق السرد الرسمي لتاريخها. وبالتالي، لا يُسمح للمؤرخين بإجراء تحقيقات حرة حول هذا الموضوع» (ص 14).

من هنا تأتي استحالة مراجعة تاريخ أصبح بمثابة عقيدة، ولهذا السبب، يؤدي أي تشكيك فيه مباشرة إلى السجن. وبهذا، يصبح من المستحيل كتابة تاريخ علمي للجزائر. ومن هنا نفهم لماذا كان « العمل على الذاكرة المشتركة » الذي دعا إليه إيمانويل ماكرون مجرد مهزلة في نظر الجزائر.

المؤرخون الجزائريون محكومون بالتاريخ الرسمي، مما يفرض عليهم تقديم تلمسان أو بجاية كـ »كيانات ما قبل الجزائر »، في حين أننا في الواقع أمام إمارات، رغم أنها كانت مزدهرة، لكنها لم تشكل نواةً لدولة مسبقة.

وعلى عكس فاس ومراكش، اللتين أسستا المغرب ودفعتا بسلالاته إلى إنشاء إمبراطوريات، مثل المرابطين والموحدين والسعديين والمرينيين والعلويين، لم يحدث شيء من هذا النوع شرق وادي ملوية، حيث ظلت استقلالية بجاية وتلمسان محدودة، وكانت تحت ضغط مستمر من المغرب وتونس.

في وقت لاحق، لم يشجع الأتراك تطور كيان وطني. وعندما نزلت القوات الفرنسية في سيدي فرج عام 1830، لم تكن الجزائر موجودة كدولة.

كانت فرنسا هي التي أنشأت الجزائر، حيث قامت بربط المناطق وفك عزلتها، وجمعت سكانها، وحددت حدودها، بل وأعطتها اسمها. وقد تم رسم حدودها الغربية على حساب المغرب، باقتطاع مناطق مثل تيديكلت، توات، قورارة، تندوف، بشار، وتابلبالة، في حين فُتحت الحدود الجنوبية للجزائر على صحراء لم تكن يوما مملوكة من قبل تلمسان أو بجاية أو حتى إيالة الجزائر العثمانية.

وفي الفترة الأقرب إلينا، يظل التاريخ محورا لـ »الداء الجزائري » لأنه يحجب ما حدث خلال الحرب، لا سيما اغتيال عبان رمضان، والفخ المنصوب لعميروش، والأهم من ذلك، الانقلاب العسكري عام 1962. في ذلك الوقت، أطاح « جيش الحدود »، الذي لم يطلق قادته رصاصة واحدة في المعارك، بالحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية (GPRA) وسحق مقاومة مقاتلي جيش التحرير في الداخل.

خلال صيف عام 1962، شهدت الجزائر، التي كانت للتو قد نالت استقلالها، انقلابا دمويا أوصل « النظام » الحالي إلى السلطة. آنذاك، أُقصيَت الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، المدعومة من قادة المقاومة الداخلية، من قبل جيش التحرير الوطني (ALN) الذي كان يقوده منذ عام 1960 العقيد هواري بومدين، والذي كان جيشه مستقرا في تونس والمغرب، ولم يتعرض لأي استنزاف في القتال ضد فرنسا.

في هذا السياق، قال بن يوسف بن خدة، رئيس الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، إن « بعض الضباط الذين عاشوا في الخارج لم يختبروا الحرب الثورية مثل إخوانهم في الميدان... ».

هذا الوضع أسس لنشأة « النظام » الذي يسعى دائما إلى البقاء في السلطة، ما يجعل من المستحيل إعادة النظر في التاريخ الرسمي ما دام هذا النظام هو الحاكم الفعلي للجزائر.

المؤرخون الجزائريون يدركون هذه الحقائق، لكن يُحظر عليهم التصريح بها، وإلا اتُّهموا بالخيانة وواجهوا السجن كما حدث مع بوعلام صنصال.

« التاريخ هو الجحيم والجنة بالنسبة للجزائريين »، كما قال المؤرخ محمد حربي. هذه العبارة تختزل في حد ذاتها الصمت الوجودي لدولة يتأرجح تاريخها الرسمي بين صخور الواقع وشعاب الوهم، عبر تاريخ مصنوع.

هذا التاريخ « الجنة » المصطنعة بُني على أساطير لا يصدقها أي مؤرخ جاد، لكنها تحولت إلى عقائد يُحظر المساس بها. مأساة بوعلام صنصال أنه تجرأ على المساس بهذه العقائد...

تحرير من طرف برنارد لوغان
في 10/12/2024 على الساعة 11:00