في عام 1962 كانت الجزائر مكتفية ذاتيا ومصدرة للمنتجات الفلاحية. واليوم لم تعد تصدر البرتقال، بينما كانت الصادرات قبل عام 1962 تبلغ 200 ألف طن. ولم تعد تصدر الطماطم والجزر والبصل والفاصوليا الخضراء والبازلاء (الجلبانة) والبطيخ والكوسة (القرع) وغيرها.
قبل عام 1962، كانت سفن محملة بالبواكر الجزائرية تصل إلى مرسيليا، وخاصة البطاطس التي تراوحت صادراتها السنوية بين 500 ألف ومليون قنطار. فضلا عن 600 ألف قنطار من الحبوب و700 ألف قنطار من السميد والخضروات المجففة أو التمور وحتى التين المجفف التي كانت تصدر منها الجزائر حوالي 120 ألف قنطار سنويا. وقبل عام 1962، كانت الجزائر تصدر 100 ألف هكتوليتر من زيت الزيتون و50 ألف قنطار من الزيتون، بينما اليوم لا يلبي الإنتاج الوطني حتى الطلب المحلي.
واليوم تصل واردات المواد الغذائية التي يمكن إنتاجها محليا إلى مبالغ كبيرة. ملايين الدولارات (في المتوسط) للحبوب والسميد والدقيق (تقريبا 550 مليون دولار)، وللحليب ومنتجات الألبان (تقريبا 300 مليون دولار)، وللسكر (تقريبا 1600 مليون دولار)، وللخضراوات المجففة (تقريبا 90 مليون دولار)، وللزيوت (تقريبا 42 مليون دولار)، وللحوم وغيرها (تقريبا 400 مليون دولار).
إقرأ أيضا : المؤرخ برنارد لوغان يكتب: قضية الصحراء «الغربية» أو «خدعة القرن»
في الواقع، تخصص الجزائر اليوم أكثر من ربع مداخيلها من المحروقات، وهي مداخيلها الوحيدة، لاستيراد المنتجات الغذائية الأساسية التي كانت مع ذلك تصدرها قبل عام 1962. وهكذا فإن الجزائر، التي تبلغ احتياجاتها السنوية من القمح 11 مليون طن، ستضطر لاستيراد 8.5 مليون طن في عام 2024، إذ لم يصل الإنتاج خلال الموسم الفلاحي الأخير إلا إلى 3 ملايين طن.
كما أن قطاع اللحوم هو أيضا قطاع منكوب. ولذلك تلجأ الجزائر إلى شراء كميات هائلة من الخارج بعد أن اضطرت لرفع الحظر عن استيراد اللحوم البيضاء والحمراء. وهو إجراء من المفترض أن يشجع المنتجين الوطنيين على إنشاء قطاع محلي تنافسي، ولكنه أدى، على وجه الخصوص، بسبب الفساد، إلى كارثة مع زيادة في الأسعار لا تطاق بالنسبة للسكان. إذ يصل سعر كيلو لحم البقر الآن إلى 2700 دينار (18.5 أورو)، وبالتالي لم يعد في متناول حتى الطبقات الوسطى. أما الدجاج، فيتجاوز سعره اليوم 500 دينار للكيلو (3.40 أورو)، فيما كان قبل سنوات قليلة 300 دينار (2 أورو).
إقرأ أيضا : المؤرخ الفرنسي برنارد لوغان يكتب: «السياسة اليعقوبية» في الجزائر
ومع ذلك، تم إنفاق مبالغ هائلة لدعم المربين. ولكن من دون جدوى، لأنه حتى بعد أن تحرروا لعدة سنوات من منافسة الواردات، لم يتمكن المنتجون المحليون من إنشاء قطاع مستقل. بل على العكس تماما، لأن توقف الاستيراد أدى إلى خصاص نتج عنه تحقيق أرباحا فاحشة، إذ أن المنتجين والوسطاء استغلوا هذا الخصاص لرفع الأسعار بشكل فاضح.
وأصبحت القطاعات الاستراتيجية لتحقيق الأمن الغذائي للجزائر، مثل الحبوب ومنتجات الألبان واللحوم والسكر والبذور الزيتية، مفلسة الآن. وفي السنتين الأخيرتين، تعتمد الجزائر بنسبة 100% على الواردات... رغم أن السلطات أعلنت باستمرار، منذ عدة عقود، عن تعزيز الإنتاج المحلي واعتبرته أولوية وطنية.
عاجلا أم آجلا، سوف يطرح الجزائريون سؤالين على « النظام » الذي يتحكم في البلاد منذ انقلاب يوليوز 1962: « لماذا هذه الكارثة »؟ و »أين ذهبت مليارات المليارات من ريع المحروقات »؟