باحثون ومفكرون بوجدة يستحضرون خمسين عاما من المسيرة الخضراء ومسار ترسيخ السيادة الوطنية

ندوة حول الذكرى 50 للمسيرة الخضراء بوجدة

في 17/10/2025 على الساعة 20:00

فيديونظم مركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية بوجدة، بشراكة مع مجلس جهة الشرق والمجلس الجهوي لهيئة الموثقين بجهة الشرق، الخميس 16 أكتوبر 2025، ندوة وطنية فكرية بعنوان: «المسيرة الخضراء بعد خمسين عاما: ذاكرة وطن، ورهانات السيادة والتنمية»، احتفاءً بالذكرى الخمسين لانطلاق المسيرة الخضراء المظفرة.

وشارك في هذا اللقاء نخبة من المفكرين والباحثين، حيث شكَّل مناسبة لتأمل المسيرة الخضراء في أبعادها الوطنية والدولية، واستحضار الدروس الكبرى التي جسدتها هذه الملحمة الخالدة في تاريخ المغرب الحديث.

الخليفة: المسيرة الخضراء ملحمة وحدة وتحرير بأسلوب حضاري

أكد مولاي امحمد الخليفة، المحامي بهيئة مراكش والمفكر والفاعل السياسي، أن يوم 16 أكتوبر 1975 سيبقى يوماً مفصلياً في تاريخ المغرب، إذ دوّى فيه نداء المغفور له الملك الحسن الثاني داعياً المغاربة إلى تحرير صحرائهم بأسلوب حضاري وإنساني، يرسخ عمق الإيمان بوحدة الوطن وسلامة أراضيه.

وقال الخليفة إن هذا النداء الملكي التاريخي لم يكن مجرد إعلان سياسي، بل كان تعبيراً عن إرادة أمة كاملة استجابت بصوت واحد، فلبّى 350 ألف مواطن ومواطنة النداء، وهم يحملون القرآن والأعلام الوطنية، دون سلاح، في تجسيد نادر للالتزام الوطني والروحي، مضيفا أن هذه المسيرة، التي وصفتها الأمم المتحدة آنذاك بأنها “حدث غير مسبوق في التاريخ الإنساني”، أظهرت للعالم أن المغرب اختار طريق السلم والإيمان والشرعية لاسترجاع أرضه، وأن الوحدة الوطنية كانت، وما تزال، عقيدة راسخة في ضمير كل مغربي.

وتابع الخليفة أن مرور نصف قرن على هذه الملحمة يعكس صمود المغرب في معارك السيادة، سواء في الميدان السياسي أو الدبلوماسي أو التنموي، مؤكداً أن المغرب، بفضل سياسة الملك محمد السادس، استطاع أن يرسخ حضوره الدولي، ويكسب اعترافاً واسعاً بمغربية الصحراء وبمشروع الحكم الذاتي، باعتباره الحل الواقعي والنهائي للنزاع.

كما توقف عند الدلالات العميقة للحدث قائلا: “المسيرة الخضراء لم تكن فقط لتحرير الأرض، بل لتحرير الإرادة الوطنية من كل تبعية، وبناء نموذج سيادي مستقل في القرار والمصير”، مشيراً إلى أن المغرب اليوم يعيش مرحلة جديدة من استكمال الوحدة، من خلال التنمية الشاملة التي تشهدها الأقاليم الجنوبية، كبرهان على أن السيادة لا تنفصل عن البناء والازدهار، مختتما مداخلته بالتأكيد على أن “المسيرة الخضراء مدرسة في الوطنية والقيادة والالتزام الجماعي”، داعياً إلى غرس هذا الوعي في الأجيال الجديدة حتى تظل الملحمة خالدة في ذاكرة الأمة.

برديجي: المسيرة الخضراء أعظم من ثورة الملك والشعب واستمرار للدبلوماسية المغربية الذكية

من جهته، اعتبر عبد الرحيم برديجي، أستاذ تاريخ العلاقات المغربية الإسبانية ورئيس المركز الإسباني الصحراوي، أن المسيرة الخضراء تمثل أعظم حدث سياسي وإنساني في تاريخ المغرب الحديث، لأنها جمعت بين عمق الرمزية الدينية والوطنية، وبين الذكاء السياسي في إدارة قضية مصيرية دون اللجوء إلى الحرب.

وقال برديجي إن الشعب المغربي، حين لبّى نداء الملك الحسن الثاني، “كان كما إسماعيل حين قال لأبيه إبراهيم عليه السلام: يا أبتِ افعل ما تؤمر”، في إشارة إلى الطاعة والثقة التي جسدها المغاربة في قيادتهم، رغم تهديدات إسبانيا باستخدام الألغام والقوة العسكرية، مضيفا أن هذه الملحمة لم تكن وليدة اللحظة، بل كانت ثمرة عمل دبلوماسي متواصل بدأ منذ استرجاع سيدي إفني سنة 1969، ومرّ عبر مراحل متعددة من المرافعات القانونية والاتصالات الدولية التي أسست لشرعية المغرب التاريخية في صحرائه.

وأشار إلى أن الوثائق الأرشيفية الإسبانية، المدنية والعسكرية، تكشف عن حقائق دامغة حول مغربية الصحراء قبل الاحتلال الإسباني، من خلال اتفاقيات دولية تربط المغرب بالقوى العالمية منذ القرن الثامن عشر، مثل اتفاقيات 1707 مع الدنمارك، و1767 مع إسبانيا، و1774 مع البرتغال، و1786 مع الولايات المتحدة، وكلها تعترف بالمغرب كدولة ذات سيادة تمتد حدودها إلى الساقية الحمراء ووادي الذهب.

وأكد برديجي أن الملك الحسن الثاني كان رجل رؤية استراتيجية، إذ أدرك أن تحرير الأرض لا يتم فقط بالقوة، بل ببناء مشهد دولي يعترف بالحق المغربي، وهو ما تحقق اليوم من خلال الانتصارات الدبلوماسية المتتالية تحت قيادة الملك محمد السادس، الذي أعاد للمغرب مكانته في إفريقيا والعالم، مختتما مداخلته قائلاً إن “المسيرة الخضراء لم تنتهِ سنة 1975، بل تستمر في شكلها التنموي والسيادي والسياسي إلى اليوم”، داعياً إلى توثيق الذاكرة الوطنية، وإتاحتها للأجيال الجديدة عبر الأبحاث الأكاديمية والأرشيفات الدولية، لتبقى الحقيقة التاريخية ثابتة في وجه كل التشكيك.

بودينار: الأجيال الجديدة مدعوة إلى استعادة الذاكرة الوطنية

من جهته، أكد الأستاذ سمير بودينار، رئيس مركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية بوجدة، أن الاحتفاء بهذه الذكرى الخمسينية يشكل لحظة رمزية لاستحضار قيم الوطنية والوحدة، ولربط الجيل الجديد بجذوره التاريخية، موضحا أن المغرب يعيش اليوم مرحلة جديدة من ترسيخ الاعتراف الدولي بمغربية الصحراء وتكريس النموذج التنموي المتجدد في الأقاليم الجنوبية، ما يستدعي تجديد النقاش الفكري والعلمي حول أبعاد هذه القضية في بعدها التاريخي والرمزي والسيادي.

وأشار إلى أن الذاكرة الوطنية ليست مجرد سرد للتاريخ، بل هي رأسمال رمزي للأمة ينبغي حمايته وتعزيزه بالبحث الأكاديمي الجاد، وبالمعرفة التاريخية الدقيقة، لتبقى المسيرة الخضراء عنواناً لوحدة المغرب الدائمة واستمراريته في الدفاع عن سيادته ومصالحه العليا.

واختُتمت الندوة بالتأكيد على أن المسيرة الخضراء تظل مدرسة وطنية في القيادة السلمية والتعبئة الجماعية، وأنها ستبقى مصدر إلهام للأجيال المغربية في الدفاع عن الوحدة والسيادة والتنمية المستدامة، تحت القيادة الرشيدة للملك محمد السادس.

تحرير من طرف محمد شلاي
في 17/10/2025 على الساعة 20:00