أشرف الحساني يكتب: إفريقيا أفقاً للتفكير

أشرف الحساني

في 28/10/2024 على الساعة 20:30, تحديث بتاريخ 28/10/2024 على الساعة 20:30

مقال رأيعلى مدار سنوات، شكّلت عودة المغرب إلى إفريقيا علامة بارزة في تاريخ الدبلوماسية المغربية في علاقتها بدول الجوار. ذلك إنّها علاقة مبنية على أسس تاريخية صلبة ومتينة وروابط ثقافيّة متنوّعة، تستحضر دائماً عمق هذه العلاقة التاريخيّة الأصيلة التي يُعتبر المغرب من خلالها امتداداً عميقاً للعديد من البلدان وعنصراً مؤثّراً وفاعلاً في ميكانيزمات وطبيعة العلاقات السياسية بين العديد من الدول الإفريقية.

تلعب الثقافة في بعدها الأنثروبولوجي المركّب عند إدوارد تايلر دوراً بارزاً في التأثير على مسار العلاقات الدولية. وذلك لكونها تُعدّ دائماً من المنطلقات الحقيقية والقويّة التي تُساهم في توطيد هذه العلاقات، خاصّة حين يتعلّق الأمر ببلدٍ مثل المغرب، له تاريخه الطويل الضارب في القدم. ورغم المؤلّفات الكثيرة التي قاربت موضوع إفريقيا والمغرب، إلاّ أنّ هنا شحّ كبير في تناول هذه العلاقة من النواحي ذات الصلة بالثقافة والفنّ. فهي عناصر أساسية في تشريح أفق العلاقة وتُساهم إلى حد كبير في تشريحها وإبراز خصائصها الفنية ومقوّماتها التاريخية التي تجعلها لا تقبع في الماضي، بقدر ما تتطلّع بعنفوان صوب المستقبل البعيد.

إنّ السؤال الثقافي يظلّ مغيّباً داخل العديد من الدراسات المغربية الإفريقية، في وقتٍ يحتلّ فيه المغرب الثقافي مكانة كبيرة في الوجدان الإفريقي عبر مجموعة من المعارض الفنّية والمهرجانات السينمائية والأدبيّة التي تسعى جاهدة إلى إبراز الثراء الثقافي المذهل بين المغرب وإفريقيا، تاريخياً وثقافياً ودبلوماسياً واستراتيجياً.

لا يُقدّم الفعل الدبلوماسي بشكلٍ عام على شكل معاهدات واتفاقيات فقط، بل تلعب الفنون عموماً دوراً محورياً في توطيد أسسه ومرتكزاته. فهناك مهرجانات أدبية وسينمائية، أصبحت تحرص سنوياً على طرح قضايا وإشكالات مرتبطة بإفريقيا. وتسعى هذه الفعاليات على تقديم الإرث التاريخي الإفريقي والاحتفاء به داخل طبق مغربيّ مميّز، ينفي الحدود والسياجات ويخترق مختلف أشكال التفكير التنميطي عبر سفر متخيّل في الماضي والإقامة في الحاضر في آن واحد.

إنّ التفكير ثقافياً وفنياً في إفريقيا سيُتيح لنا إمكانية فهم الروابط العميقة التي نستوعب من خلالها تجلّيات هذه العلاقة داخل المرحلة التي ننتمي إليها. ذلك إنّ البلدان التي لها ذاكرتها تسعى جاهدة إلى محاولة استثمارها بشكل أوسع في مجالات ذات صلة بالتراث والسياحة والدبلوماسية، لأنّها تغدو هنا بمثابة علامة حضارية عن تاريخ ما يزال هسيسه يجري في أوصال المجتمع ومتخيّله الجمعي.

لا نعثر اليوم على مفكّرين مغاربة وعرب جعلوا من إفريقيا مدخلاً للتفكير. فأغلب الدراسات الموجودة تطغى عليها الأبعاد القانونية والتاريخية. في حين أنّ الأعمال الفكريّة يصعب العثور عليها، لكون أغلب المفكرّين منشغلين بقضايا ومفاهيم تنتمي إلى نوع من التفكير المجرّد الذي لا يكون دائماً يمتلك جدوى على مُستوى التأثير، مقارنة بما يحبل به الواقع من تحوّلات ومآزق وتصدّعات.

تحرير من طرف أشرف الحساني
في 28/10/2024 على الساعة 20:30, تحديث بتاريخ 28/10/2024 على الساعة 20:30