وهكذا، فقد حُكم على الجندي الأمريكي بالسجن لمدة 14 عاما، بعد إدانته بالانتماء لتنظيم «داعش» الإرهابي، وذلك بناء على معلومات قدمتها المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني إلى السلطات الأمريكية. وفقا لبيان صادر عن وزارة العدل الأمريكية.
ويعكس هذا الحكم خطورة المخططات الإجرامية التي كان الجندي يعتزم تنفيذها، والذي تم كشفه بفضل الجهود الاستخباراتية المغربية بقيادة عبد اللطيف حموشي، المدير العام للأمن الوطني ولمراقبة التراب الوطني.
وكانت السلطات الأمريكية قد ألقت القبض على الجندي كول بريدجز، المنتسب إلى تنظيم «داعش» الإرهابي، يوم 19 يناير 2021، بفضل معلومات استخباراتية قدمتها المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني إلى شركائها الأمريكيين.
وقد جرى إلقاء القبض على كول بريدجز، حينها، عبر عملية نفذها مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) وجهاز مكافحة التجسس في الجيش الأمريكي، بناء على معلومات قدمتها المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني لفائدة مكتب التحقيقات الفيدرالي، ووكالة الاستخبارات المركزية (CIA ). وهكذا، فقد نوّهت وكالة المخابرات الأمريكية بهذا العمل الأمني ذي الطابع الاحترافي.
ولتسليط الضوء على هذا الموضوع، أجرى Le360 حوارا مع الدكتور محمد بنطلحة الدكالي، أستاذ علم السياسة والسياسات العامة ومدير المركز الوطني للدراسات والأبحاث حول الصحراء.
كيف ترون تأثير الجهود المبذولة من لدن المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني على المستوى الدولي؟
إن جهاز المخابرات المغربي أصبح رائدا أمنيا، سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي ورمز للفعالية والتعاون الدولي.
لقد سبق لهذا الجهاز العتيد أن أنقذ إسبانيا من حمام دم. وفي هذا الصدد، نشير إلى إشادة أرتورو أورتيغا نافاس، رئيس قيادة الحرس المدني في مليلية المحتلة، بالدور المحوري الذي تلعبه الأجهزة الأمنية المغربية، خاصة المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، مؤكدا أن تبادل المعلومات بين البلدين يعد مفتاحا للنجاحات الأمنية المحققة.
نذكر كذلك، الدور الذي لعبته المصالح الأمنية حين تنبيهها لهجمات برلين، التي استهدفت مواطنين من خلال هجوم بشاحنة كان يقودها مواطن من أصول تونسية، حيث اعترفت المصالح الألمانية، وتحديدا وزارة الداخلية، آنذاك، بأن المغرب كان قد نبه إلى هذه العملية.
لقد أرسى الملك محمد السادس دعائم التدبير الأمني المغربي، فيما نجحت المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني في تكريس مساراته على أرض الواقع، هل نحن الآن بصدد جني الثمار؟
لقد ارتبط إصلاح التدبير الأمني بمسار التحول الديمقراطي الذي شهدته بلادنا، والذي أرسى دعائمه ملك البلاد منذ تحمله مقاليد الحكم، مما أدى إلى اندماج الأجهزة الأمنية في هذه الدينامية المتجددة، الأمر الذي سرّع من حركيتها وأعطاها بُعدا استشرافيا وفق استراتيجية أمنية عقلانية واضحة الأهداف، من أجل استتباب الأمن العام والدفاع عن الثوابت والهوية الوطنية، في ظل التحديات الأمنية على المستوى الإقليمي والدولي.
وقد اعتمدت المؤسسة الأمنية على الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة وتأطير العمل الشرطي بمدونة سلوك جد متقدمة وعلى تأهيل رجل الأمن علميا وتقنيا وأخلاقيا، والتزام أسلوب اليقظة والاستباق في الحصول على المعلومة واتخاذ الإجراءات السريعة والفعالة من أجل تحصين البلاد وصد أي عمل إرهابي أو إجرامي.
كما جعلت من التكوين على حقوق الإنسان مكونا أساسيا، علما أن الحكامة الأمنية شكلت إحدى توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة. كذلم، فإن التأصيل الدستوري في منطوق دستور 2011 يعتبر مرجعا أساسيا للحكامة الأمنية.
إن هذه التجربة الأمنية الرائدة، على صعيد المنطقة، قد جعلت الولايات المتحدة الأمريكية تؤكد، في تقريرها السنوي حول مكافحة الإرهاب في دول العالم، أن «المغرب يمثل عنصرا هاما ضمن التنسيق التاريخي والتعاون القوي مع الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب»، مشددة على أنه «واصل استراتيجيته الشاملة التي ضمنها الرفع من اتخاذ التدابير الأمنية اليقظة، والتعاون الإقليمي والدولي، ووضع سياسات لمكافحة التطرف».
وجاء في التقرير أيضا أن «جهات إنفاذ القانون المغربية شاركت في مجموعة واسعة من البرامج التي ترعاها الولايات المتحدة الأمريكية لتحسين القدرات التقنية والتحقيقية للبلاد، بما في ذلك التحقيقات المالية وتحليل المعلومات الاستخباراتية والطب الشرعي والأمن السيبران». وعن تجفيف منابع التطرف، أكد بيان الخارجية الأمريكية أن «المغرب لديه استراتيجية شاملة لمكافحة العنف، تعطي الأولوية للتنمية الاقتصادية والبشرية بالإضافة إلى مكافحة التطرف والعنف».
إن المؤسسة الأمنية المغربية تتوفر على استراتيجية متعددة الأبعاد في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف، تجمع بين الجوانب القانونية والاقتصادية والاجتماعية والدينية، زيادة على تعزيز وتوطيد التعاون الدولي، مما جعل من المملكة المغربية رائدا وشريكا استراتيجيا على الصعيد العالمي في هذا المجال وأدى إلى تفكيك عشرات الخلايا الإرهابية في كثير من دول العالم.
وفي هذا الإطار، نستحضر الدور الريادي والفعال الذي تقوم به فرقة مكافحة الجريمة المنظمة، التابعة للمكتب المركزي للأبحاث القضائية سواء على المستوى الوطني أو الدولي، حيث قامت المملكة المغربية بإدراج آليات جديدة لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود، التي تعد من أخطر الجرائم في وقتنا الحاضر، ولها صور عديدة، أبرزها تبييض الأموال والاتجار بالمخدرات والتهريب إلى جانب جرائم الاتجار بالبشر وغيرها.
وعلى الصعيد الإفريقي، شدد المغرب، خلال اجتماع لمجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي، الذي انعقد ببورندي، على الحاجة الملحة لتبني مقاربة متعددة الأبعاد بهدف مكافحة التهديد الإرهابي في إفريقيا بشكل فعال، تقوم على ثلاثية السلم والأمن والتنمية لمحاصرة التهديدات الإرهابية وتعزيز استجابة فعالة ومندمجة تأخذ بعين الاعتبار الانشغالات الأساسية للمواطن الإفريقي.
إن العقيدة الأمنية المغربية، وإن كان دورها الأساسي هو إنفاذ القانون وحماية النظام العام مع ما تتمتع به من الصلاحيات والسلطات التقديرية لأداء واجبها المهني، إلا أنها تلتزم دوما بمبادئ المشروعية والمعايير الدولية للحكامة الأمنية وضمان انخراط المؤسسة الأمنية في البناء الديمقراطي واحترام الحقوق والحريات الأساسية.
لقد أضحت المدرسة الأمنية المغربية نموذجا يقتدى به على الصعيد الإقليمي والدولي، عنوانه التحدي المغربي.
كيف رسّخت مديرية حموشي انخراطها في المساعي الدولية الرامية لتحييد المخاطر والتهديدات المحدقة بالأمن الإقليمي والدولي؟
إن هذه الدينامية الأمنية المغربية تعكس المفهوم الجديد للأمن الشامل، سيما في العلاقات الثنائية التي تربط المغرب بمجموعة من الدول.
وهذه الدينامية الفاعلة والايجابية التي تعرفها مؤسسة الأمن الوطني المغربي، أصبحت تؤطر تدخل هذا المرفق وتمكنه من حماية الدولة المغربية، باعتبار هذه المؤسسة ضامنا لأمن الدولة والأفراد، ولمنظومة الحقوق والحريات واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية، وقادرة على حماية قيم المجتمع من التهديدات الخارجية.
وقد أصبحت هذه الدينامية تحتل كذلك مكانة بارزة على الصعيدين الإقليمي والدولي، مما يعكس حجم هذه المؤسسة الوطنية والإشعاع الذي بدأت تكرسه، وأصبح المغرب فاعلا إقليميا ودوليا في مجال محاربة الإرهاب والاتجار بالبشر والمخدرات.
لقد كان، تاريخيا، يُنظر إلى تحقيق الأمن على أنه مسؤولية الدول الوطنية، إلا أن تطور التهديدات غيّر هذا الفهم، فمنذ نهاية الحرب الباردة ومع تنامي ظاهرة العولمة، أصبح الوضع الدولي أكثر تعقيدا، حيث ظهور مجموعة واسعة من التهديدات والتجارة غير المشروعة والجريمة المنظمة، مما أدى إلى تغيير في طريقة صنع السياسات الأمنية، ولم يعد ممكنا لأي دولة وحدها حماية مواطنيها فقط بتعزيز آليتها الرقابية، حيث تعتمد الدول الآن على إجراءات جديدة من أجل أمنها وحتى في بعض الأحيان من أجل بقائها.
هنا يبرز التداخل بين مفهومين أساسين هما: الأمن القومي (National Security) والأمن العالمي (Global Security).
إن الأمن القومي يعرف بأنه «قدرة الدولة على توفير الحماية والدفاع لمواطنيها»، أما الأمن العالمي فقد جاء من الضرورة التي ألقتها الطبيعة والعديد من التحولات الأخرى، وخاصة العولمة على عاتق الدول، وهي تحولات لا يملك أي جهاز للأمن القومي القدرة على التعامل معها بمفرده، وبالتالي تبرز الحاجة الى تعاون الدول، لأن الترابط العالمي والاعتماد المتبادل بين الدول، الذي اختبره العالم ولازال يختبره منذ نهاية الحرب الباردة، يجعل من الضروري للدول أن تتعاون أكثر وتعمل معا.
إن الانخراط الراسخ لمصالح المديرية العامة للأمن الوطني في المساعي الدولية الرامية لتحييد المخاطر والتهديدات المحدقة بالأمن الإقليمي والدولي، يجعلنا نتكلم، وبفخر، عن المدرسة الأمنية المغربية، كفاعل أساسي في تحقيق الأمن الشامل على المستوى القاري والدولي.