وسط الفضيحة.. النظام الجزائري ينهج سياسة الإنكار في ملف بقايا رفات قطاع الطرق والحركيين

توابيت تلتحف العلم الجزائري تحتوي على رفات 24 جزائريا زعم أن رؤوسهم قطعت خلال الفتح الاستعماري الفرنسي، قدمت في قصر الثقافة المفدي زكرياء في الجزائر العاصمة، 4 يوليوز 2020، بعد وصولهم من فرنسا.

توابيت تلتحف العلم الجزائري تحتوي على رفات 24 جزائريا زعم أن رؤوسهم قطعت خلال الفتح الاستعماري الفرنسي، قدمت في قصر الثقافة المفدي زكرياء في الجزائر العاصمة، 4 يوليوز 2020، بعد وصولهم من فرنسا. . DR

في 27/10/2022 على الساعة 17:58

وزير المجاهدين الجزائري هو المسؤول الوحيد الذي رد يوم الاثنين الماضي على فضيحة الجماجم التي أعادتها فرنسا إلى الجزائر في يوليوز 2020. وبدلا من الاعتراف بأن من بين هذه الجماجم الـ24، هناك 18 جمجمة، بحسب التحقيقات والأبحاث العلمية، تعود لقطاع طرق وحركيين، اختار النظام الجزائر، كما هي كعادته، الإنكار.

لا يزال النظام الجزائري يجتر عاره بعد الكشف عن فضيحة جماجم الحركيين أي الجزائريين الذين خدموا الجيش الاستعماري وغيرهم من قطاع الطرق الجزائريين التي أعادتها فرنسا إليها في يوليوز 2020، والتي قدمتها على أنها رفات جثث لمقاومين جزائريين ماتوا في مواجهات مع الأجنبي الغازي.

في ثالث يوليوز 2020، أقيمت مراسم رسمية فخمة برئاسة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ورئيس أركان الجيش الجزائري سعيد شنقريحة في مطار هواري بومدين بالجزائر العاصمة للترحيب رسميا بالجماجم الأربع والعشرين التي يعود تاريخها إلى القرن التاسع عشر، والتي غُطيت توابيتها بأعلام جزائرية جديدة.

بعد يومين، أي يوم خامس يوليوز 2020، بمناسبة الاحتفال بالذكرى 58 للاستقلال، دفنت هذه الجماجم الـ24، التي كانت 6 منها فقط لمقاومين، مع كل التكريم، في مربع الشهداء بمقبرة العالية في الجزائر العاصمة.

ومع ذلك، فإن المؤرخ وعالم الأنثروبولوجيا الجزائري، علي فريد بلقاضي، الذي نشرت خلاصات تحقيقاته وأعماله المتعلقة بهذه الجماجم الجزائرية من قبل موقع إلكتروني جزائري معروف بقربة من النظام، كان أول من كشف عن الوجود المؤكد على الأقل لجمجمتين لحركيين من بين الجماجم التي أعيدت إلى الجزائر في عام 2020.

علي فريد بلقاضي، وهو خبير عضو في اللجنة الفرنسية الجزائرية المكلفة بالتعرف على رفات الجزائريين المحتفظ بهم في فرنسا، يعطي أسماء وأرقام التسجيل في متحف الإنسان في باريس للحركيين اثنين، اللذين يصفهما بأنهما "اثنين من الجنود المرتزقة المحليين المعارضين للحركة الوطنية"، واللذين حظيا بتكريم رسمي في الجزائر.

لكن التحقيقات التي أجرتها صحيفة نيويورك تايمز، التي نشرت نتائجها الصادمة يوم 17 أكتوبر، هي التي أعطت لهذه القضية حجم فضيحة الدولة.

"تظهر وثائق من متحف الإنسان والحكومة الفرنسية، حصلت عليها صحيفة نيويورك تايمز مؤخرا، أنه في حين تم تحديد هوية ست جماجم من أصل 24 جماجم وتم التعرف على أنها لمقاومين، فإن هوية أصحاب الجماجم المتبقية لم تكن لمقاومين أو غير معروف أصحابها... لم تقر أي من الحكومتين (الفرنسية والجزائرية) علنا بهذه الحقائق، لأن هدفها الوحيد هو الحصول على ربح دبلوماسي من عملية إعادة الجماجم"، حسبما كتبت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية.

وردا على سؤال من الصحيفة الأمريكية، قالت كريستين لوفيفر، المسؤولة في متحف الإنسان حيث كانت تتواجد الجماجم المعادة، إن "هناك رهانات سياسية" وراء عملية إعادة الرفات "المتعجلة". وفيما يتعلق بتحديد هوية الجماجم الـ24، أقرت بأنه "من الواضح أنها ليست جميعها لمقاومين".

مع العلم أن "السكوت من علامات الرضا"، خرج وزير المجاهدين، العيد ربيقة، عن صمته يوم الاثنين الماضي لينفي الحقائق التي كشفتها الصحيفة الأمريكية.

وبحسب العيد ربيقة، وفق ما أوردته إحدى وسائل الإعلام الجزائرية، "تم تحديد هوية المقاومين بوضوح، بطريقة علمية ووفق المعايير العالمية في هذا المجال. وقد تم إجراء عملية تحديد الهوية قبل وقت طويل من إعادة الجماجم إلى الجزائر".

وبعدما عجز عن تحديد ماهية هذه "الطريقة العلمية"، والتي تفند مع ما كشفت عنه صحيفة نيويورك تايمز، لم يجد وزير المجاهدين الجزائري مخرجا آخر سوى اعتبار أن قضية الجماجم المزيفة لمقاومين هي مجرد "مجرد استهداف للدولة الجزائرية".

"إن الجزائر هي المستهدفة من هذه الحملة الإعلامية الكاذبة. سنكشف المزيد من التفاصيل حول هذه القضية لاحقا"، بحسب ما وعد به الوزير الجزائري، ولكن يبدو أنه الأمر مواعيد عرقوب.

جاء ذلك في تصريحات العيد ربيقة، يوم الاثنين الماضي بوهران خلال ندوة حول موضوع "الجزائر في الوطن العربي، عمق التاريخ، تحديات الحاضر وآفاق المستقبل". والمثير للانتباه هو أن وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية نشرت على نطاق واسع تدخل وزير المجاهدين في هذه الندوة، لكنها تجاهلت تماما نفيه لقصة الجماجم المزيفة لمقاومين جزائريين.

لأن فضيحة الدولة هذه محرجة للغاية للنظام الجزائري الذي لا يستطيع أن يقبر هذه القضية دون إخراج رفات الضحايا المدفونين إلى جانب جلاديهم. عاجلا أم آجلا، سيتعين إخراج المقاومين الستة وعزل جماجمهم عن جماجم الحركيين وقطاع الطرق... وفوق كل شيء، سيتعين أن يعرف الجزائريون لماذا كانت الطغمة العسكرية ساذجة للغاية وعديمة الكفاءة.

تحرير من طرف محمد ولد البواه
في 27/10/2022 على الساعة 17:58