الجزائر: بوعلام صنصال.. «رهينة» سياسية و«ورقة مساومة» لرئيس مريض

الأديب والكاتب الفرنسي-الجزائري بوعلام صنصال، المسجون بالجزائر منذ 16 نونبر 2024

في 12/11/2025 على الساعة 11:55, تحديث بتاريخ 12/11/2025 على الساعة 12:00

بعدما وُصف طويلا بأسوأ النعوت علنا وتم تقزيمه إلى حالة «المنبوذ»، يُقدم الكاتب الفرنسي الجزائري اليوم في وسائل الإعلام الرسمية الجزائرية بوصفه «كاتب» ومرشح لـ«عفو رئاسي». فالرئيس عبد المجيد تبون، الذي أضعفته حالته الصحية، وتحت ضغط من برلين، يقوم بمناورات من أجل بقائه الشخصي ويحاول يائسا استرضاء فرنسا مجددا. وهي ردود فعل دفاعية تُظهر أن النظام الجزائري لم يعد قادرا على تفادي الإهانة.

لم يتوقف تبون عن وصفه بشتى النعوت لتبرير سجنه، الذي هو في حقيقة الأمر «عملية احتجاز رهينة» تمويه في شكل محاكمة، ثم حكم بسجنه خمس سنوات نافذة. واليوم، أعيد وصف بوعلام صنصال، الروائي وكاتب المقالات الفرنسي الجزائري الكبير، بصفة «كاتب» مسن ومريض، وعليه يصبح مؤهلا للعفو الرئاسي. وهذا يمثل، مرة أخرى، «انقلابا» كاملا أجراه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بخصوص صنصال، الذي اعتُقل تعسفا في الجزائر في السادس عشر من نونبر 2024 وحكم عليه استئنافيا، في يوليوز الماضي، بخمس سنوات سجنا بسبب تصريحاته التي ذكر فيها، تحديدا، أن الجزائر ورثت، تحت الاستعمار الفرنسي، أراضي كانت تابعة للمغرب.

يأتي هذا الإعلان في وقت وصل فيه نظام الجزائر الى أدنى مستوياته، بعد مسلسل طويل وحتمي من الإخفاقات الدبلوماسية، كانت ضربته القاضية هي تبني مجلس الأمن، الهيئة التنفيذية لمنظمة الأمم المتحدة، في الحادي والثلاثين من أكتوبر الماضي، قرارا يُكرس «مخطط الحكم الذاتي» بوصفه الحل للنزاع في الصحراء. وهو القرار الذي أظهر للعالم الفراغ التام الذي نجح النظام الجار في خلقه حوله. حتى «رعاته» بالأمس، الصين وروسيا تحديدا، اللذان كانا يسارعان الى الوقوف في صفه، تخلوا عنه، مفضلين الامتناع عن التصويت. الصفعة قاسية لدرجة أن النظام الجزائري، الذي بدا «مترنحا»، لم يكف منذ ذلك الحين عن التحرك بضراوة محاولا استدراك الوقت والتحالفات الضائعة، متوسلا ولو «إشارة رأس» تعني أنه ما زال، ولو قليلا، مقبولا للتواصل.

على الرغم من ضآلتها، فإن إحدى مخارج الأزمة التي يحركها «النظام» حاليا هي إمكانية الإفراج عن الكاتب. هذه المقاربة معقدة، لكن النظام يقدمها على النحو التالي: سارعت الرئاسة الجزائرية، يوم الاثنين العاشر من نونبر، الى نشر إعلان يفيد بأن «رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، تلقى طلبا من رئيس جمهورية ألمانيا الاتحادية، السيد فرانك فالتر شتاينماير، يهدف إلى القيام بـ«بادرة إنسانية» تتمثل في العفو عن الكاتب بوعلام صنصال، المسجون منذ عام».

وقامت وكالة الأنباء الرسمية «APS» وجميع وسائل الإعلام الجزائرية التابعة للنظام بنقل الخبر فورا. وهو ما يفتح الأفاق أمام احتمال الإفراج الوشيك عن الكاتب البالغ من العمر ستة وسبعين عاما. هذه النهاية السعيدة ستكون، إذن، عملا من أعمال الكرم المطلق لرئيس «كريم»، ومن شأنه أن يمهد الطريق لاستئناف الحوار بين الجزائر وباريس، لكون صنصال مواطنا فرنسيا أيضا، وكانت قضيته إحدى محاور الأزمة بين العاصمتين. لكن هذا الطرح عار تماما من الصحة، وإذا كان نظام الجزائر يلعب «ورقة الإنسانية»، فهو يفعل ذلك مرغما ومضطرا، وبانتهازية مؤكدة.

زمنيا، سبق الإعلان الرئاسي الجزائري بساعات قليلة ما يبدو انه «أمر واقع» ألماني، ومن المؤكد انه تم بالتنسيق مع الحليف الفرنسي. ففي وقت سابق من اليوم ذاته، كان الرئيس الألماني، فرانك فالتر شتاينماير، هو من أصدر بيانا يحث نظيره تبون على القيام بـ«بادرة إنسانية»، مطالبا بالإفراج عن بوعلام صنصال ومقترحا أيضا نقل بوعلام إلى ألمانيا «ليستفيد هناك من الرعاية الطبية (...) بالنظر إلى سنه المتقدم (...) وحالته الصحية الهشة».

إن هذا ليس مجرد طلب، بل هو «اشتراط» و«شرط». والسبب وجيه: الرئيس تبون نفسه مريض بمرض خطير، ويجب عليه السفر إلى ألمانيا هذا الشهر (نونبر) للخضوع لفحوصات طبية جديدة. فألمانيا هي العنوان الذي يقصده رئيس الدولة الجزائري للعلاج. هناك أقام ثلاثة أشهر متتالية، من أكتوبر إلى نهاية دجنبر 2020، لتلقي استشفاء طويل، بعد إصابته الرسمية بـ«كوفيد-19». وإليها عاد في يناير 2021 لإجراء عملية جراحية. ومنذ ذلك الحين، يتردد عليها بانتظام للمتابعة والعلاج.

وتشير المصادر إلى إقامته «الخاصة» في يوليوز 2023 في البلد ذاته، ورحلة أخرى لم تكن أبعد من غشت الماضي، للأسباب الطبية نفسها. وتؤكد مصادر جزائرية مطلعة على الشأن الرئاسي أن تبون كان من المفترض أن يسافر إلى هناك في التاسع من نونبر الماضي، لكن الرحلة تأجلت.

«لص»، «مجهول الهوية»، «ابن حرام»

في اليوم التالي، صدر بيان الرئاسة الألمانية. والرسالة واضحة: إذا أراد الرئيس الجزائري أن يستمر في الاستفادة من النظام الصحي الألماني، فعليه أولا إطلاق سراح بوعلام صنصال.

ومن الناحية المثالية، عليه أن يخصص له مكانا شرفيا في الطائرة الرئاسية حتى يتمكن الكاتب، هو أيضا، من تلقي العلاج في مستشفى بألمانيا. التغليف جيد، لكن الرسالة مؤلمة. كتب الرئيس الألماني: «مثل هذه البادرة ستكون تعبيرا عن موقف إنساني ورؤية سياسية طويلة المدى. وستعكس علاقتي الشخصية الطويلة الامد بالرئيس تبون والعلاقات الجيدة بين بلدينا». والمقصود هنا: لا إطلاق لسراح صنصال، لا وجود لصداقة مفترضة صامدة.

بتبني المطلب الالماني، يُظهر تبون انتهازية لا تخلو من مكر. فنداء فرانك فالتر شتاينماير جاء في وقته تماما، وفي اللحظة التي كانت فيها الجزائر توجه فيها نداءات لفرنسا.

وكان وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، قد أكد يوم الخميس أن فرنسا تجري «حوارا صعبا» مع الجزائر للحصول على إطلاق سراح بوعلام صنصال. وهو حوار يبدو أن برلين تشكل فيه ورقة ضغط مقنعة.

المحزن في الأمر هو أن عبد المجيد تبون، الذي أقسم بجميع القديسين و«الشهداء» بأنه لن يستجيب أبدا لطلب الإفراج الذي تم التعبير عنه بكل الوسائل الممكنة في فرنسا، باسم المصالح العليا للجزائر وعظمتها الأبدية، يتخلى عن مواقفه لاعتبارات شخصية ضيقة. وليذهب الشهداء إلى الجحيم.

نتذكر جميعا: في يوم الأحد التاسع والعشرين من دجنبر، وفي خضم خطاب طويل أمام غرفتي البرلمان، توقف الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون عند وضع الكاتب بوعلام صنصال... ليقوم حرفيا بـ«اهانته» و«وصفه بكل النعوت». فبالنسبة لعبد المجيد تبون، صنصال هو «لص»، و«مجهول الهوية»، و«ابن حرام». نعم، لقد قرأتم العبارة بشكل صحيح. هكذا يوصف كاتب ذو شهرة عالمية علنا، أمام الكاميرا، من قبل المسؤول التنفيذي الأول في الجزائر. لكن ذلك كان في السابق.

لا أحد يعلم بأي سحر تحول «ابن الحرام»، في بيان الرئاسة الجزائرية، إلى كاتب. بل وأفضل من ذلك: أصبح مجددا «مواطنا فرنسيا جزائريا وحائزا على جائزة السلام لاتحاد الكتاب الألمان». بالتأكيد، فان رعاية صحة رئيس الدولة وضرورة المصالحة العاجلة مع باريس تستحقان تحولا بـ180 درجة. بعد كل شيء، تبون والنظام الجزائري برمته يجيدون التعامل مع هذا النوع من المواقف. فبسبب الصحراء المغربية، حركوا الأرض والسماء عامين كاملين ضد إسبانيا، ليتراجعوا حرفيا. ورفعوا جميع التهديدات ضد فرنسا ليصل الأمر بهم إلى التعبير عن سعادتهم ببرقية تهنئة من الرئيس ايمانويل ماكرون، في الفاتح من نونبر الماضي، ذكرى «الثورة». رسالة من سبعة وعشرين كلمة تم التلويح بها كـ« إنجاز » في جميع وسائل الإعلام الجزائرية.

نفهم إذن أن نظام الجزائر في حالة استعجال قصوى لكسر عزلته. فضيحة هذا التراجع المفاجئ وسخط النخب الجزائرية لا قيمة لهما. أما « الفخر الجزائري » فسيظل محطما.. الى الأبد.

تحرير من طرف طارق قطاب
في 12/11/2025 على الساعة 11:55, تحديث بتاريخ 12/11/2025 على الساعة 12:00