«طابور الكبش».. فوضى الأضاحي تفضح كذبة «الجزائر الجديدة»

جزائريون يتدافعون في طابور طويل من أجل اقتناء الأضاحي المستوردة من رومانيا

في 14/05/2025 على الساعة 07:24

فيديوتحوّلت عملية توزيع خراف العيد المدعّمة في الجزائر إلى مرآة عاكسة لأزمة اجتماعية عميقة، ومشهد عبثي يعرّي عجز نظام يصدح بشعارات «الإنجاز والتحدي»، لكنه يفشل في تنظيم أبسط المهام الموسمية كضبط توزيع الأضاحي بكفاءة تحترم كرامة المواطن وتُجنّب مشاهد الفوضى والإذلال.

أمام بوابة إحدى نقاط بيع الأضاحي المستوردة بمدينة بومرداس، تهادى طابور طويل من الجزائريين تحت شمس حارقة، قبل أن ينقلب فجأة إلى كتلة بشرية هائجة. وجوه شاحبة، عيون متعبة، وأجساد تتدافع بجنون خلف حواجز حديدية تهاوت تحت ضغط العشرات من الشبان والكهول، في سباق محموم نحو خراف هزيلة لا تسمن ولا تغني من جوع، تُعرض كإنجاز وطني منقطع النظير.

إنه مشهد سريالي يشبه مشاهد الطوارئ في مناطق المجاعة: صرخات تعلو، وأجساد تتعثر، وأجساد تداس في مشهد لا يمتّ لعيد الأضحى بصلة، بل يوحي بحالة طوارئ غذائية في بلد فقد كل قدرة على تنظيم أبسط طقوس مواطنيه دون إذلال.

طابور الكبش

في بلد اعتاد فيه المواطن الاصطفاف في طوابير طويلة من أجل شراء الزيت والحليب والعدس.. برز «طابور الكبش» كأحدث رموز الإذلال الشعبي. لم تعد الأضحية شعيرة دينية فحسب، بل باتت امتيازا يخضع للتسجيل في القرعة، وإثبات الدخل، والانتظار لساعات دون نتيجة.

وبينما تصف وسائل الإعلام الرسمية هذه الخطوة بـ«الإنجاز الوطني»، فإن الجزائريين لا يرون فيها سوى مهزلة جديدة تنضاف إلى سجل طويل من الأزمات، حيث بات «طابور الكبش» فصلا جديدا من كتاب الطوابير المتعددة في بلد يُفترض أنه غني بثرواته، فقير في تدبيره.

الجزائر الجديدة؟

رغم أن الهدف المعلن من عملية استيراد الأضاحي كان إتاحة الفقراء شراء خروف العيد بسعر مدعّم (40 ألف دينار)، إلا أن الأغنياء تسللوا للواجهة واستحوذوا على الحصة الأكبر، في تناقض صارخ مع الهدف المعلن، وبتواطؤ واضح من السلطات.

أحد المواطنين الغاضبين دوّى صوته وسط الفوضى متسائلا: «هل هذه هي الجزائر الجديدة؟»، وهو لا ينتظر جوابا، لأن المشهد من حوله يقدّم الإجابة الصادمة: نعم، هذه هي الجزائر التي بشر بها بها تبون خلال عهدته الثانية، حيث المواطن البسيط يتحول إلى متسوّل في طابور الذلّ من أجل شعيرة دينية كان يُفترض أن تكون رمزا للكرامة والتكافل.

في مواقع التواصل، تضاعفت موجات الغضب والسخرية، ليس من المواطنين الذين تدافعوا في طوابير الإذلال، بل من نظام عسكري فشل في تحقيق أبسط مهامه. فبدل أن تكون الأكباش المدعّمة وسيلة للتخفيف من أعباء العيد عن الفقراء، تحوّلت إلى امتياز جديد يُمنح للمقرّبين والأغنياء، فيما يقضي الضعفاء لياليهم أمام المراكز، أملا في الحصول على حقهم « الشرعي » في شعيرة دينية.

عبثية السعر الموحد

أثار قرار توحيد سعر الخروف المدعّم في حدود 40 ألف دينار جزائري موجة سخط عارمة، خاصة بعد أن اكتشف العديد من المواطنين، الذين حالفهم الحظ وتمكنوا من اقتناء أضحية، أنهم دفعوا ذلك المبلغ مقابل خراف صغيرة الحجم، لا ترقى في نظرهم إلى الحد الأدنى من مواصفات الأضحية الشرعية. فعملية البيع تمت دون أي اعتبار للوزن أو الجودة، ما جعل الحظ هو الفيصل الوحيد في تحديد من سيظفر بكبش مقبول، ومن سينتهي به الأمر إلى رأس هزيل بالكاد يُرى فيه مظهر الأضحية.

هذا الواقع دفع بالكثيرين إلى المطالبة بتحديد سعر الأضاحي بناء على الوزن بالكيلوغرام، بدل فرض ما وصفوه بـ« عدالة الكبش العشوائي » التي عمّقت الإحساس بالحيف والمهانة.

كذبة العيد للجميع

يواصل النظام عبر أبواق الدعاية الترويج بقوة أن «العيد للجميع»، مدعيا أنه استورد مليون رأس غنم خصيصا لتغطية احتياجات عيد الأضحى، وظهر الرقم في بيانات رئاسية وتصريحات وزارية وكأنه منجز استراتيجي.

لكن الواقع كان أبعد ما يكون عن هذه الوعود، إذ سرعان ما اكتشف المواطنون أن «المليون» رقم في الهواء، لا وجود له على الأرض، ولا يكفي بأي حال لتغطية احتياجات ملايين الأسر.

وبينما قرر الجار المغربي تعليق شعيرة العيد هذا العام بسبب الجفاف وندرة القطيع الوطني، اختار النظام الجزائري التباهي بخراف مستوردة انتهت في مهزلة وطنية أمام كاميرات الهواتف وموجات الغضب الرقمي.

هكذا سقط تحدي تبون في فخ الواقع

أراد الرئيس عبد المجيد تبون تحويل ملف الأضاحي إلى «تحدٍّ سياسي» مع المغرب، لكنه انتهى بتعزيز مشاهد الفشل والارتباك، التي تحوّلت إلى مادة دسمة للسخرية من نظام يُغرق البلاد في طوابير الإهانة، حتى في أكثر المناسبات رمزية.

إن مشهد «طابور الكبش» لا يعكس فقط فشلا إداريا مؤقتا، بل يكشف عن أزمة نظام بأكمله، نظام لم ينجح حتى في تنظيم عملية موسمية، فكيف له أن يدير وطنا بأبعاده الاجتماعية والاقتصادية والدينية والسياسية؟

تحرير من طرف ميلود الشلح
في 14/05/2025 على الساعة 07:24