أقدمت مصلحة البحث والتحري للدرك الوطني ببئر مراد رايس في الجزائر العاصمة، الخميس 20 فبراير 2025، على اعتقال مواطن يبلغ من العمر 38 سنة، بحجة نشر «إشاعات مغرضة» عبر مواقع التواصل الاجتماعي تمس «الأمن والنظام العموميين».
جاء هذا الاعتقال بعد أن نشر المواطن مقطع فيديو على حسابه في «تيك توك»، حذّر فيه من استهلاك نوعية معينة من التمور الجزائرية، وتحديدا «دقلة النور»، مشيرا إلى احتوائها على مواد مسرطنة.
وأوضح في مقطعه أن هذا الخطر يعود إلى سقيها بمياه الصرف الصحي واستخدام مواد كيميائية ضارة.
وزعم البيان الرسمي الذي أذيع على نطاق واسع عبر مختلف الأذرع الإعلامية للنظام العسكري الجزائري، أن المواطن المعتقل قام بنشر فيديو تحريضي يدعو فيه إلى مقاطعة استهلاك التمور الجزائرية، مدعيا أنها تحتوي على مواد مسرطنة.
وادعى البيان أن الفيديو يتضمن «معلومات كاذبة» تشير إلى استخدام مياه الصرف الصحي والمواد الكيميائية في زراعة التمور، مما أدى إلى رفض شحنات منها في أسواق دولية كفرنسا وكندا وألمانيا.
جزاء قول الحق في الجزائر
في الواقع، فإن الشاب لم يقل ما يستدعي هذا الرد العنيف من السلطات القمعية التي تبحث دائما عن كبش فداء للتضحية به. بل يتبين من خلال جولة في حساب هذا المواطن في « تيك توك »، أنه لا يتحدث من فراغ بل له دراية جيدة بالموضوع، إذ يتحدث بلغة علمية دقيقة وموثقة بالمصادر، عن فوائد وخصائص ومميزات مختلف أنواع التمور الجزائرية.
وحين تحدث بالضبط عن تمور «دقلة النور» فإنه لم يتردد من تحذير متابعيه من استهلاكها لكونها حسبه تحتوى على مواد مسرطنة بسبب سقيها بمياه الصرف الصحي من جهة، ثم بسبب إضافة مواد كيميائية لحمايتها من التسوس، من جهة ثانية.
وفي آخر فيديو بثه على حسابه قبل إيقافه، رد هذا الشاب على بعض التعليقات التي اتهمته بالإساءة إلى بلاده ورمته بالخيانة ووضع يده في يد جهة خارجية.. من خلال الدعوة إلى مقاطعة التمور الجزائرية، حيث أكد أنه لا يهدف إلى الإساءة إلى بلاده، بل يسعى فقط لنقل الحقيقة، مشيرا إلى أنه لا يخشى الانتقادات أو التهديدات.
أسطوانة مكررة
ليست هذه أول مرة تقدم فيها السلطات الجزائرية على سجن أحد مواطنيها فقط لأنه كتب بأن التمور الجزائرية مسرطنة، إذ يعيد هذا الاعتقال إلى الأذهان ما حدث في أكتوبر 2022 مع الصحفي بلقاسم حوام، الذي اعتُقل وحُكم عليه بالسجن وغرامة مالية بتهمة «نشر أخبار كاذبة» بعدما كتب مقالا في جريدة «الشروق» حول رفض شحنة تمور جزائرية بسبب معالجتها بمبيدات محظورة.
إقرأ أيضا : صفعة مدويّة للجزائر.. دول أوروبية وأمريكية تحظر تمورها بسبب احتوائها على مواد مسرطنة
في محاولة واضحة لترهيب الصحافة، لم يقتصر الحكم حينها على الصحفي فقط، بل شمل أيضا إدانة رئيس تحرير الجريدة بالحبس غير النافذ، كما تم تغريم « الشروق » باعتبارها شخصا معنويا متهما في الملف بمبلغ 30 مليون سنتيم، وإلزام المتهمين المدانين بتعويض وزارة التجارة بمبلغ مليون دينار (100 مليون سنتيم).
قمع الحقيقة لن يحجبها
تواصل السلطات الجزائرية استخدام أساليب القمع لتكميم الأفواه، ظنا منها أن الاعتقالات والأحكام القضائية الصارمة قادرة على طمس الحقائق. لكن في عصر الإنترنت، يصبح إخفاء الوقائع أمرا مستحيلا، بل يزيد من انتشارها وتسليط الضوء عليها.
إن استهداف كل من يجرؤ على كشف المستور يثير تساؤلات جدية حول مستقبل حرية التعبير في الجزائر، ويؤكد أن سياسة القمع ليست سوى محاولة بائسة لاحتواء أزمة متفاقمة.
وبينما تتفاقم أزمة التمور الجزائرية دوليا، تجد السلطات نفسها في مواجهة انتقادات محلية ودولية بسبب ملاحقة من يشيرون بأصابعهم إلى مكمن الخلل بدلا من معالجة جذور المشكلة. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: متى يدرك النظام أن القمع ليس الحل، بل هو طريق يؤدي إلى تعرية الحقائق لا إخفاءها؟






