يـستعد المغرب لخطوة استراتيجية جديدة في مساره نحو تعزيز استدامة موارده المائية من خلال توسيع برنامج الاستمطار الصناعي المعروف باسم « غيث ». هذا المشروع الذي أطلقه الملك الراحل الحسن الثاني في عام 1984، بعد سنوات من الجفاف، يُعدّ أحد الحلول المبتكرة لزيادة تساقط الأمطار باستخدام تقنية تلقيح السحب.
منذ انطلاقته، شهد البرنامج تطورات كبيرة في مجالات التكنولوجيا والتطبيق الميداني، ما جعله معترفا به دوليا. وتتم عمليات الاستمطار عبر وسائل جوية باستخدام طائرات متخصصة وأخرى أرضية موزعة على مناطق مستهدفة.
ووفق معلومات حصل عليها Le360 من مصلحة الأرصاد الجوية الوطنية، فإن البرنامج يشمل، في الوقت الحالي، ثلاثة مراكز رئيسية في بني ملال، أزيلال، والحاجب، مع إجمالي 20 موقعا ميدانيا لتلقيح السحب، حيث تجرى العمليات بشكل دقيق وباستخدام مواد آمنة على البيئة مثل « يوديد الفضة » وملح « كلوريد الصوديوم ».
توسيع برنامج الاستمطار
مع حلول العام المقبل، من المرتقب أن تتضاعف مراكز الاستمطار الصناعي بشكل ملحوظ، وفق ما أعلنته وزارة التجهيز والماء، التي تخطط لإضافة 12 مركزا جديدا موزعة بين منطقة تازة ومنطقة خنيفرة، بواقع 6 مراكز لكل منطقة. هذا التوسع الكبير في نطاق البرنامج يأتي في إطار الجهود المبذولة لمواجهة تحديات شح المياه، لا سيما في المناطق الريفية والجبلية التي تعاني من قلة التساقطات.
وتعتزم الوزارة مواصلة هذا التوسع في العام 2025 بإضافة 12 موقعا آخر، مع إنشاء مركزين رئيسيين في منطقتي تانسيفت الحوز وسوس ماسة. هذا من شأنه أن يرفع عدد مواقع الاستمطار الصناعي في المغرب إلى 42 موقعًا بحلول نهاية العام 2025، موزعة على 7 مراكز رئيسية.
وتشمل أهداف البرنامج التأثير على القطاعات الاجتماعية والاقتصادية في البلاد. لهذا، تم تشكيل لجنة وطنية عليا تضمّ عدة جهات منها الدرك الملكي، القوات الجوية الملكية، ووزارة التجهيز والماء.
نجاعة برنامج الغيث
قال وزير التجهيز والماء، نزار بركة، إن المغرب نفذ 121 عملية تلقيح سحب خلال الفترة الممتدة بين 2017 و2021، باستخدام تقنيات جوية وأرضية، وذلك في إطار برنامج الاستمطار الصناعي « الغيث ». جاء ذلك في رده على سؤال كتابي من المستشار البرلماني مصطفى الدحماني حول أداء هذا البرنامج.
وأوضح الوزير أنه منذ بداية نونبر 2022 وحتى 9 دجنبر من العام نفسه، تم تنفيذ أربع عمليات تلقيح سحب باستخدام المولدات الأرضية، بالإضافة إلى عمليتين جويتين بواسطة الطائرات. وبيّن أن دراسات التقييم التي أُجريت بين عامي 1984 و1989 أظهرت أن هذه العمليات أسفرت عن زيادة في التساقطات المطرية والثلجية تتراوح بين 14% و17%، ما يعادل 4 ملايين متر مكعب إضافية سنويا.
وأكد بركة أن البرنامج يعتمد على مواد كيميائية غير ضارة بالبيئة مثل « يوديد الفضة » للسحب الباردة و »ملح كلوريد الصوديوم » للسحب الدافئة، بهدف تعزيز قدرة السحب على إنتاج الأمطار والثلوج. كما أشار إلى أن كل درهم يُنفق على هذا البرنامج يعود بفائدة اقتصادية تقدر بـ3.37 دراهم.
وتتمثل الاستراتيجية المستقبلية للبرنامج، حسب الوزير، في تحسين الحكامة، إدماج التكنولوجيا الحديثة، التوسيع الجغرافي والزمني للعمليات، وتعزيز الموارد البشرية.
كيف يعمل برنامج غيث للاستمطار الصناعي؟
وفق معطيات مصلحة الأرصاد الجوية الوطنية، فإن عمليات الاستمطار الصناعي في المغرب تعتمد على تقنيات تلقيح السحب باستخدام الطائرات والمولدات الأرضية، بهدف زيادة هطول الأمطار والثلوج في المناطق المستهدفة.
ويتم تنفيذ عمليات البرنامج عبر وسائل متعددة، بما في ذلك الوسائل الجوية حيت يتوفر البرنامج على طائرتين لتلقيح السحب: طائرة مختبر King Air 200 لتلقيح السحب الطبقية باستعمال خرطوشات مكونة من الملح أو « نترات » الفضة. وتتوفر هذه الطائرة على مستشعرات لرصد المعطيات الجوية والخصائص الميكروفيزيائة للسحب لتحسين عملية التلقيح. إضافة إلى طائرة Alpha-jet التي تستخدم لتلقيح السحب الركامية.
كما يتم استعمال وسائل أرضية حيت يتوفر البرنامج على 20 موقعا أرضيا مجهزا بمولدات أرضية لتلقيح السحب موزّعة على ثلاثة مراكز بني ملال، أزيلال والحاجب.
يتم تنفيذ التدخلات في هذه المواقع عبر 20 مولدا على الأرض، بالإضافة إلى 3 مولدات متنقلة تُستخدم بشكل متفرق للتدخلات الخاصة. يتم تثبيت هذه المولدات على الأرض في المرتفعات الجبلية وتستخدم مزيجا يحتوي على « يوديد » الفضة ينتشر في الهواء أو تنقله التيارات الصاعدة نحو السحب.
لدعم التدخلات الميدانية، وضعت المديرية العامة للأرصاد الجوية كل الوسائل اللازمة تحت تصرف برنامج الغيث، ومنها:
• شبكة كتيفة من المحطات الرصدية السينوبتيكية والأوتوماتكية.
• نماذج رقمية دقيقة تصل دقتها إلى 1.5 كم على مستوى البلاد.
• شبكة رادارات تغطي مناطق تدخل البرنامج.
• بيانات الأقمار الصناعية على مستوى البلاد، بالإضافة إلى محطة متنقلة لاستقبال بيانات الأقمار الصناعية.
علاوة على ذلك، يتوفر برنامج الغيث على وسائل أخرى للمراقبة الميكروفيزيائية مثل مقياس الإشعاع وجهاز قياس كميات الأمطار بالطيف وأنظمة المراقبة في المراكز والمواقع.
ويهدف المشروع إلى رفع نسبة الأمطار أو الثلوج باستعمال تقنية تلقيح السحب، خلال الفترة ما بين شهري نونبر إلى أبريل من كل سنة، والتي تستعمل مواد كيميائية غير ضارة بالبيئة مثل « يودير الفضة » بالنسبة للسحب الباردة (-5 درجة) و »ملح كلورير الصوديوم » بالنسبة للسحب الدافئة.
وتمت عدد عمليات برنامج الغيث خلال الفترة الممتدة من نونبر إلى دجنبر 2021، قد بلغت 5 عمليات جوية قصد الاستمطار الاصطناعي في 02/12/2021، و23 عمليات أرضية قصد الاستمطار الاصطناعي من 03/11/2021 إلى 25/12/2021.
اعتراف دولي ومكانة مرموقة
نجحت عمليات الاستمطار الصناعي التي أُجريت سابقا في تحقيق زيادات في التساقطات تتراوح بين 14% و17%، وفقا للتجارب التي جرت منذ عام 1984. وقد ساهمت هذه العمليات في دعم القطاع الفلاحي الذي يعتمد بشكل كبير على الأمطار، خاصة في مناطق الأطلس والمناطق الجبلية.
ونال برنامج « غيث » اعترافا دوليا بفضل نتائجه الملموسة، حيث تم تكريمه في مناسبات عدة، من أبرزها المؤتمر الدولي الثامن للاستـمطار الصناعي الذي نظم في الدار البيضاء سنة 2003. وفاز بجائزة الحسن الثاني للاستمطار الصناعي المنظمة في الإمارات العربية المتحدة سنة 2007.
وهكذا أصبح برنامج الغيث رائدا في مجال الاستمطار الاصطناعي يتلقى طلبات من العديد من الدول الإفريقية لتقديم الدعم والخبرات في هذا المجال، كما هو الحال بالنسبة لبرنامج « ساغا » في بوركينافاسو وبرنامج « باوان » في السنغال، حيث تمّ توشيح عدة أطر مغربية بأوسمة شرفية كاعتراف بكفاءات الأطر المغربية في مجال الاستمطار الاصطناعي ونجاعة العمليات المنجزة.
ويمثل برنامج « غيث » أحد المشاريع الحيوية التي تعكس التزام المغرب بتحسين إدارة موارده المائية، مع الاعتماد على التكنولوجيا الحديثة لتحقيق الاستدامة في مواجهة التغيرات المناخية المتزايدة.