ابتداء من فاتح يناير 2024، دخل قرار لوزير الصحة والحماية الاجتماعية، القاضي بمراجعة أسعار بيع الأدوية الأصيلة والجنيسة للعموم، حيز التنفيذ، بعدما جرى نشر القرار بالجريدة الرسمية عدد 7261.
وجاء هذا القرار بالموازاة مع توسيع نطاق الإعفاء من الضريبة على القيمة المضافة التي كانت محددة في 7 في المائة، ليشمل جميع الأدوية والمواد الأولية التي تدخل في تركيبها وكذا اللفائف غير المرجعة.
كما يندرج في إطار تنزيل ورش الحماية الاجتماعية وتعميم التامين الاجباري الأساسي عن المرض، تنفيذا للتوجيهات الملكية في تحقيق السيادة الدوائية، من خلال إنشاء مصنع لصناعة الأدوية واللقاحات وتكوين مخزون استراتيجي وطني من الأدوية لمواجهة الأزمات وجعلها في متناول كافة المغاربة.
وتضمن القرار لائحة طويلة لعدد كبير من الأدوية التي تم تخفيض أثمنتها.
مقتطف من لائحة أسعار الأدوية المنشورة بالجريدة الرسمية عدد 7261
وأشاد عدد من مهنيي القطاع الصحي بهذا القرار الهام، الذي يأتي في إطار استكمال الإصلاح الجبائي، والرامي إلى إعفاء عدد من المواد الأساسية الواسعة الاستهلاك وأساسا الأدوية والمنتجات الصيدلانية، من الضريبة على القيمة المضافة والرسوم، وهي التي ظلت أسعارها مرتفعة وتؤثر سلبا على دخل الأسر المغربية.
أسعار خيالية
ثمنت الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة والحق في الحياة إعفاء الحكومة للأدوية والمستلزمات واللوازم الطبية وشبه الطبية من الضريبة على القيمة المضافة، ضمن قانون المالية لسنة 2024، حيث أكدت أن هذا القرار كان له وقع إيجابي على تخفيض أسعار حوالي 4500 دواء أصيل وجنيس وبدائل حيوية يتم تسويقها في المغرب لعلاج عدد كبير من الأمراض. بيد أن الشبكة تعتبر هذا الإجراء « غير كاف لتمكين المرضى من الولوج إلى بعض الأدوية باهظة الثمن بسبب أسعارها المرتفعة ».
وقال علي لطفي، رئيس الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة والحق في الحياة: « إذا كانت الدولة والحكومة المغربية قد ألغت وتخلت عن نسبة هامة من مداخلها التي تمثل 7 في المائة من الضريبة على القيمة المضافة على الأدوية لفائدة المرضى وحمايتهم ضد الفقر والعوز، فان عددا من شركات الأدوية تقوم بتسويق أدوية بأسعار خيالية تفوق أضعافا تلك المعمول بها في أوروبا والوطن العربي ».
وفي معرض حديثه عن ما وصفها بـ »الأسعار الخيالية » للأدوية بالمغرب، خص لطفي بالذكر أدوية التهاب الكبد الفيروسي (ب) و(س)، وأدوية مضادة للسرطان والأدوية المخصصة لعلاج أمراض السكري والربو وأمراض القلب والشرايين، والأدوية المخصصة لمعالجة الخصوبة.
وأوضح لطفي، في تصريح لـLe360، أن « احتكار شركات أدوية كبرى للسوق وتلاعبها بالمستهلك، والزيادات المتواصلة في الأسعار من دون مراعاة دخل المواطن وقدرته الشرائية، يعمّق نزيف احتياطاتنا من العملة الصعبة، حيث أن المغرب يشهد ارتفاعا في أسعار الأدوية يتجاوز ثلاثة أضعاف مقارنة مع بعض الدول مثل فرنسا وإسبانيا وإيطاليا ».
ويترتب عن هذا « الاحتكار » من طرف شركات الأدوية، حسب وصف رئيس الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة والحق في الحياة: « تكبيد المرضى وصناديق التأمين الصحي وخزينة الدولة تكاليف إضافية، كما جاء في تقرير سابق لقضاة المجلس الأعلى للحسابات، الذي أظهر أن أسعار الأدوية في المغرب تفوق أسعارها في الكثير من الدول بما يتراوح من 200 إلى 300 في المائة ».
وتؤكد ما ذهب إليه علي لطفي دراسة كان قد أجراها الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي « الكنوبس »، خلصت إلى « وجود فوارق شاسعة في الأسعار بين السوق المغربي ونظيره الفرنسي فيما يخص 33 دواء، بعضها كثير الاستعمال ».
بدوره فإن مجلس المنافسة سبق له أن أكد أن « بنية الأسعار في هذا القطاع معقدة، بل وعشوائية، بسبب السياسة العمومية للأدوية التي تتسم بالخلل، وفيها الكثير من المتدخلين: الوزارة الوصية، الوكالة الوطنية للتأمين الصحي، الصناع/ المستوردون، الباعة بالجملة والموزعون، والصيدليات. فهوامش الربح المتراكمة على هذه السلسلة من الفاعلين، تفضي إلى سعر غير معقول لما يصل الدواء إلى المستهلك ».
من جانبه، أكد أمين بوزوبع، الكاتب العام لكونفدرالية نقابات صيادلة المغرب، على « عدم تحقيق المرسوم الذي يشرف على تخفيض أسعار الأدوية في المملكة للأهداف المرجوة، ما يفتح الباب لاستعراض الأثر السلبي الذي يطبقه على الصحة العامة ».
وألمح بوزوبع في تصريح صحفي إلى أن التخفيضات التي تعلن عنها الوزارة بين الحين والآخر « تقتصر بشكل رئيسي على الأدوية ذات التكلفة المنخفضة، حيث يتم تخفيضها بمقدار ضئيل لا يؤثر بشكل كبير على قدرة المواطنين على الشراء. »
وأوضح بوزوبع أن المرسوم « فشل في تقليل تكاليف الأدوية الغالية، خاصة تلك التي تنتمي إلى الشرائح الثالثة والرابعة من تصنيف الأدوية. وفي هذا السياق، أشار إلى أن هذه الفئة من الأدوية تعتبر عبئًا كبيرًا على المواطنين وصناديق التأمين.
واستند بوزوبع إلى معدل استهلاك الأدوية على الصعيدين الفردي والسنوي، مُشيرا إلى أن المعدل لم يتجاوز 315 درهمًا في عام 2013. وأكد أن المواطن المغربي، حتى بعد مرور عقد من تنفيذ المرسوم، يُقابل بمعدل سنوي لا يتجاوز 500 درهم.
وفي مقابل ذلك، يُلاحظ بأن هذا المعدل يظل منخفضا مقارنة ببعض الدول المجاورة، حيث يتجاوز معدل استهلاك الدواء الفردي في تلك الدول 1700 درهم، مما يُظهر أن أسعار الأدوية تعيق الوصول الفعّال لها من طرف المواطنين.
وبهذا يتجلى فشل المرسوم في تحقيق توازن يلبي حاجات المواطنين ويحقق الأهداف الصحية المستهدفة، وهو ما يستدعي، حسب المتحدث نفسه، إعادة النظر الفوري في آليات تنفيذ وتقييم فعالية هذا الإطار التنظيمي.
نحو تغيير مرسوم تحديد الأسعار
يفرض هذا السؤال نفسه بحدة: ما الذي يمنع هذه « الأسعار الخيالية » من الانخفاض؟ من له المصلحة في استمرار وضع ينتج عنه عدة خاسرين: الدولة، المنظمات التغطية الصحية والمستهلك؟
هنا يعود رئيس الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة والحق في الحياة ليجيب عن السؤال قائلا: « من أجل ضمان ديمومة نظام التأمين الصحي الوطني ونجاعته وعدالته للمؤمّن عليهم والمنتفعين وأسرهم، وضمان التوازن المالي للنظام والتوازن الاكتواري لصناديق التأمين الصحي، على المديين المتوسط والبعيد تفاديا للعجز والافلاس، تتوجه الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة والحق في الحياة ومن جديد للحكومة وإلى وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، لمطالبتهما بإعادة النظر في المرسوم رقم 2.13.852 الصادر في 14 من صفر 1435 (18 دجنبر 2013) المتعلق بشروط وكيفيات تحديد سعر بيع الأدوية المصنعة محليا أو المستوردة للعموم ».
ويسترسل لطفي موضحا حيثيات مطلبه، قائلا: « هذا المرسوم فتح الأبواب على مصراعيها للشركات المتعددة الجنسية لجني أرباح خيالية تحت غطاء نظام يعتمد في تحديده لسعر الدواء على التحليل المقارن لأسعار المصنع الخالية من الرسوم المعمول بها في الدول التي تم اختيارها للمقارنة المعيارية، ويتعلق الأمر بإسبانيا، والبرتغال وفرنسا وإيطاليا وبلجيكا واليونان وتركيا والمملكة العربية السعودية، وهي 8 دول لا علاقة لها بالمستوى الاقتصادي والدخل الوطني للمغرب ».
ودعا المتحدث ذاته أيضا إلى « الإسراع بتخفيض أسعار الأدوية التي تجني من ورائها شركات بعينها أموالا طائلة تفوق 250 في المائة، دون مراعاة دخل المواطن وقدرته الشرائية، والحد من الاحتكار والرفع من نسب الدواء الجنيس ».