محمد منير، واحد من الصناع التقليديين بسوق السراجين بالمدينة العتيقة لفاس، يعكف داخل ورشته برفقة عدد من «المعلمين» على صناعة سروج الخيل، بعد جهد عشرات الأنامل، التي وضعت لمستها الإبداعية في التزيين برسومات تبرز غنى الثراء المغربي، لمدة قد تستغرق ستة أشهر حسب الجودة والمواصفات التي يريدها الزبون.
ويحكي هذا الصانع، في حديثه إلى Le360، أن حرفة صناعة سروج الخيل المغربية الأصيلة، فن لازم منذ القدم فن الفروسية التقليدية «التبوريدة». بدأ في المغرب قبل قرون وتطور مع الزمن إلى أن أصبحت للمغاربة سروج تميزهم عن باقي الأقطار، وصارت تحفة فنية بفضل الأنامل التي تحرص على ترصيعها وتطريزها وتزيينها.
وتمر صناعة السروج من عدة مراحل قبل أن تستقر على ظهور الأحصنة، بدءً بالتخطيط على الورق وتنتهي بتركيب الأجزاء، وبين هاتين المرحلتين تشتغل «المعلمة» على بعض الأجزاء بتطريز «النطع»، والنجار الذي يصنع القرابيس والدباغ الذي يعد الجلود، والصانع الذي يقوم بالتبطين بالإضافة إلى من تصنع «المجدول» وتحيك السرج بالحرير أو بالخيوط المذهبة.
ويكتمل إعداد السرج المغربي التقليدي ويصبح صالحا للاستعمال بعدد من اللوازم المصاحبة له، حيث يشكل «العظم» المكون الأول والأساسي وهو ما كان يسمى «بحر السرج» مع القبروس الصغير، والقبروس الكبير الذي يعد مسندا خلفيا، وهو يصنع من أنواع مختلفة من الأخشاب بحسب الجهات والمراحل والإمكانات المتوفرة، ويغلف العظم دوما بجلد يكون قد غطس في الماء لمدة طويلة، لتجري خياطته بخيوط جلدية مشمعة، وبعد تجفيفه يتقلص الجلد ويأخذ شكل «العظم» ويمنحه في الوقت نفسه صلابة إضافية.
ويطلق الحرفيون اسما خاصا على كل جزء من السرج، فهناك «الترشيح»، وهو اللبدة التي توضع على ظهر الحصان، وفوقها «العظم»، وهو القطعة الخشبية التي توضع على «الترشيح»، بالإضافة إلى «الدزينة» و«الدجاجة» و«السقاط»، والركابات حيث يضع الفارس قدميه.
وللأحزمة التي تثبت أجزاء السرج على ظهر الجواد أسماء خاصة أيضا، بحسب ما أشار له أيوب منير، وهو صانع تقليدي، فالنطاق هو الحزام الذي يمر أسفل البطن، أما الصدرية فحزام الـصـدر الذي له تواشيح وتزيين، بينما الطفر حزام يشد السرج إلى الخلف ويتكون اللجام المغربي من قطع تلف رأس الحصان، وتزين جبهة الحصان قطعة مطرزة تسمى «التشاكير أو النشاشة»، ويتكون اللجام أيضا من كمامات الأعين أو «الدراكات» لحفظ عيني الحصان من الغبار وتوجيه نظره إلى الأمام.
من جانبه، أفاد الصانع التقليدي الخمار الشتيوي, الذي يمارس المهنة منذ ما يفوق 38 سنة، بأن السروج التقليدية الفاسية فريدة من نوعها في العالم بأكمله، لأن جودتها و مواصفاتها ليس لها مثيل، ومهما بلغ جمال وتناسق الحصان فإن عين فارس التبوريدة لا تراه مكتملا إلا بتلك العدة التي يشكل السرج الفاسي جزءً أساسيا منها.
وتابع المتحدث ذاته أن السرج الأصيل يتكون من 38 قطعة ويكون مطرزا بالحرير أو الصقلي، حسب اختيار وذوق الفارس، ليبقى السرج التقليديي المغربي فريدا من نوعه وإرثا متوارثا يتناقل عبر الأجيال، ومفخرة للصناعات المغربية اليدوية الخالصة.
مرحبا بكم في فضاء التعليق
نريد مساحة للنقاش والتبادل والحوار. من أجل تحسين جودة التبادلات بموجب مقالاتنا، بالإضافة إلى تجربة مساهمتك، ندعوك لمراجعة قواعد الاستخدام الخاصة بنا.
اقرأ ميثاقنا