مثقفون يعلقون لـle360 على مأساة الزلزال ويتضامنون مع ضحايا الكارثة

متضررة من الزلزال

متضررة من الزلزال

في 13/09/2023 على الساعة 07:30, تحديث بتاريخ 13/09/2023 على الساعة 07:30

عبرت مجموعة من المثقفين من مختلف المجالات الأكاديمية والروائية والشعرية والسينمائية والمسرحية، عن آثار الزلزال على نفوس ومشاغل الناس، انطلاقاً من صُوَر التعاون التي شاهدوها بين المغاربة.


على إثر واقعة الزلزال الذي أصاب عددا من المدن المغربية ليلة الجمعة الماضية، تفاعل عدد من الفنانين والمثقفين وأعضاء جمعيات المجتمع المدني مع ضحايا وأحياء زلزال الحوز بكفيات مختلقة من التفاعل والتعاون. فمنذ الدقيقة الأولى من الزلزال، اندهش العالم بالكيفية التي تفاعل بها المغاربة على اختلاف أطيافهم ومشاربهم بالطريقة التي تآزروا بها فيما بينهم، عاملين على تقديم صورة كبيرة للعالم ودرساً حقيقياً في قيم التعاون والتضامن والتآزر التي جمعت بين الناس.

شعيب حليفي: جامعي وروائي

بالنسبة لدور المثقف والباحث والفاعلين الاجتماعيين أثناء المحن والأعطاب التي يتعرّض لها المجتمع، إنساناً وأرضاً، لا بد أن يكون متأثراً، سواء بشكل مباشر من خلال تضامنه المباشر والفعلي لما يستوجبه أو من خلال كتاباته أو ما يختمر ويظهر لاحقاً في شكل كتابات أدبية أو فكرية يمكن أن تكون وجهة نظرٍ تقوي من الأمل ومن عدم الاستسلام ومن روح التضامن. وهذا ما تأكّد الآن في المغرب من خلال وجود عدد كبير من المغاربة مثقفين وغيرهم في وقوفهم التضامني كأنّنا ننفض الغبار عن كثير من القيم التي طالها الصدى والغبار لفترةٍ طويلة. ومنها قيمة التضامن. بل إنّ الزلزال الحقيقي الذي عشناه ليس زلزال البيوت وإنّما زلزال النفوس، من ثمّ، فإنّ روح التضامن حاضرة. وإذ كان من شيء إيجابي يُمكن استنتاجه من هذه المحنة، فهو أنّها نفضت الغبار عن كثير من القيم وضرورة النّظر دائما إلى المستقبل بعين الدهشة، وألاّ توقفنا مثل هذه المحن التي تبقى جزء من حياتنا ومن الطبيعة ككل.

مصطفى لغتيري: كاتب وروائي

بالإضافة إلى الدروس الإنسانية البليغة، التي تقدمها هذه الكارثة رغم مأساويتها، والمتمثلة في إحياء قيم التضامن والتكافل وطنيا وإنسانيا، والتي برزت بشكل كبير، وهي القيم التي يدافع عنها المثقف بصفة عامة، ويتمنى شيوعها على الصعيد الوطني والإنساني، لقد آثر اهتمامي بشكل خاص ظاهرتين مهمتين، أولاهما تتعلق بالأصوات النشاز، التي ظهرت فجأة وحاولت فرض تفسير خرافي لظاهرة طبيعية واضحة، فاعتبروا الزلزال عقابا من الله للناس لأسباب أخلاقية، وهذا ما يطرح علينا بحدّة مسألة التنوير وإشاعة الفكري العلمي والنقدي، حتى نقطع الطريق على بعض الدجالين، الذين يشيعون الخرافة والكراهية. والظاهرة الثانية تتعلق بالمآثر التاريخية التي أصابها الضرر، مثل مسجد تينمل على سبيل المثال لا الحصر، هذه المآثر التي تعد رأسمالًا رمزيًا مهماً، وجب الاهتمام به، والسعي نحو ترميم ما تضرر منه والمحافظة على هذا الإرث الثقافي الكبير، لأنه يشكل جزءا من هويتنا ومبعثا للاعتزاز بتاريخنا.

عبد اللطيف نجيب: مؤلف مسرحي

مما لا شك فيه أنّ ظاهرة الزلازل هي حركة طبيعية مرتبطة دائماً بالصفائح التكتونية المسؤولة عن هذه الحركة. والمغرب يوجد ضمن هذه الحركية الدائمة والدؤوبة، بحكم أنّه يوجد في ملتقى الصفيحة الإفريقية مع الصفيحة الأورو أسيوية. فمن الطبيعي أنْ يعرف المغرب حركة دائمة للزلازل. إنّما دورات هذه الحركة متباعدة وينسى الناس كثيراً هذه الحركة إلى أن تحدث. بالنسبة للزلزال فهو أمر عادي، لكن الأمر غير العادي هو كيفية تدبير الهلع الذي يُصاب به الإنسان لحظة حدوث الزلزال.

وشخصيا عشت لحظة حرجة وكان من الضروري تحمّل هذا العلع والأرض تدور من تحتي وأنبّه الناس الذين معي في المنزل. فكان من الضروري أن أعمل على إخراجهم من المنزل. والبارحة وأنا أتنقّل من وسط مدينة مراكش إلى مكان آخر منكوب يُعرف بـ « تنيكست » بالحوز فقد عاينت في هذه القرى التي اختفت بالمرة وذهب سكانها وماتوا تحت التراب عن مظاهر الألم الذي ينخر ساكنتها.

لا يستطيع المرء إلا أن تدمع عينه ويعتصر قلبه وهو يشاهد هذا المشهد المؤلم، إذْ يشعر بأنين الناس من تحت الأنقاض. كما لاحظنا تواجد العديد من السلطات وتجهيزات كبيرة تجابه قوّة المكان ورهبة المجال بجباله الشامخة، أولا لفتح ممرات وصول منكوبة وتخفيف الضرر على من تبقى من الناس. جانب آخر لاحظته Iو توافد هائل لمواكب وطابورات من مختلف المدن وجاءت لتخفيف وطئة الحدث وآثاره الوخيمة عل الناس لدرجة أنّ من تلتقيهم من سكان هذه القرى ترى في أعينهم بريقا وفرحة رغم أنها مجروحة، إذ رغن وفاة عائلاتهم لا يبخلون عليك بالابتسامة كأنهم فوجئوا بهذا الكرم الكبير. وقلت مع نفسي هذه الأرض رغم الموت الذي حاط بها فهي ترفض أن تكون عقيمة، لأنها ولدت من أحاسيس التضامن مشاعر ومواكب ناس قدموا ليمسحوا دمعة المكلومين. سواء كانوا منظمات أو جمعيات أو سلطات أو أفراد.

مراد القادري: شاعر وكاتب

شخصيًّا، لم ألتقِ بالزّلزال، من قبل، إلّا في قصيدة صديقِنا الشّاعر الراحل أحمد بركات » أبدًا لن أساعد الزلزال ». تلك القصيدة التي علّمتنا عدمَ الانصياع للرّجّات الكُبرى التي تُربكُ الخطوَ، وتُزلزل الوردة، مُلحِقةً بها الخَراب والغُبار. اليوم، ها الزلزالُ يَتسلّلُ إلى غُرف نوْمنا ليسرقَ مّنا الإغفاءَة الأولى من ليلة الجمعة 8 شتنبر 2023، ويفرضَ علينا أرقًا جَمَاعيا، ونزوحًا اضطراريا نحو الحدائق والسّاحات والشوارع والباحات. نخرجُ إليها وفي كفّنا قلوبٌ مجروحة، وعيون دامعةٌ على الأرواح التي اقتنصها هذا الزلزال الغاشم، وهرب بها إلى عالم الخَراب والغياب. لكنّنا، إذ نخرجُ، نكتشفُ، ما لم يكن في الحسبان. نكتشف أننا لا نمسكُ الوردة وحدَنا، وأننا لسنا عُزّلا، وأن » المغربي » لا يمشي وحيدا في مِحنته، بل هو مُحاطٌ بالمحبّة من كلّ جهة، وأنّ العالم رفيقٌ له، يُصاحبُه في الخطوِ وفي الأمل.

أحمد سيجلماسي: ناقد سينمائي

الزلزال ظاهرة طبيعية لم يستطع العلم لحد اليوم التنبؤ بلحظة وقوعه ودرجة قوته. مناطق كثيرة من العالم شهدت زلازل متفاوتة الخطورة في الماضي والحاضر. أمام هذه الظاهرة يشعر الانسان بضعفه، ورغم ذلك لم يستسلم بل حاول فهم هذه الظاهرة علميا وفكر في كيفيات جعل آثارها المدمرة أقل فتكاً بالأرواح والبنايات عبر مجموعة من الاحتياطات والبنايات المقاومة للزلازل وعبر تكاثف الجهود بين البشر للتخفيف من حدتها أثناء وقوعها هنا وهناك.

زلزال الحوز والزلازل السابقة (الحسيمة واكادير…) أظهرت بالعيان أنّ المغاربة شعب متلاحم ومتشبع بقيم التضامن والتآزر رغم الاختلافات المتعددة. هذه القيم النبيلة كثير منها مستمد من الدين الاسلامي وقيمه الانسانية الكونية الرفيعة. فكل ما فيه خير للبشر دعى اليه هذا الدين في روحه الحقة البعيدة عن التأويلات غير البريئة. فلا غرابة ان مجتمعنا المغربي المتدين مجتمع تضامن وتآخي وتعاون خصوصا في الشدائد والمحن وغيرها.

عز العر بالعلوي: مخرج سينمائي

بخصوص اليوميات، ثمّة نوعان، هناك اليوميات الرسمية والتي نتلقاها عبر القنوات الرسمية والتي غالباً ما تكون فيها مجموعة من المعلومات الأساسية والتحاليل التي تُضيف ثقافة للمتلقي العادي والمثقف بشكل عام. بحيث إنّك تعرف طرق جديدة تتعلّق بالخبراء والأكاديميين المختصون في هذا المجال. ولا شك أنّ هذه اليوميات يكون لها وقع كبير داخل المجتمع وتصُبّ في إطار الثقافة الرسمية. أما فيما يخص اليوميات الأخرى الخاصّة بوسائل التواصل الاجتماعي، فهي بسيطة تُحاول إلى حدّما أنْ تنقل الأخبار سواء كانت حقيقية أو مزيفة، لكنّها في نفس الوقت تنتبه إلى ذلك الإنسان البسيط الذي قد لا ينتبه إلى النوع الرسمي.

كما تحاول أنْ تعطي دائماً الشاهد العيان الذي يحضر بقوّة في يوميات الهامش وتكون هذه الشواهد لها أهميتها، لأنّ التاريخ كما يُقال غالباً ما يكتبه الرسميون، في حين أنّ التاريخ الحقيقي هو الذي يكتبه الإنسان البسيط لأنّه دائما يتحدث عن آلامه ولا يضع أمامه عامل الرقابة. أما بخصوص تعاون المغاربة فيما بينهم، فهذا أهمّ شيء، لأنّه في الأزمات تشعر بظهور وبروز النخوة المغربية الحقيقية والتعاون الأصيل الحقيقي الأصيل، في وقتٍ كان في البعض يُنفي هذا التعاون بحكم المعاكسات والمشاحنات اليومية.

لكنْ حين ترى ماذا واقع في هذه الأزمة تعرف أنّك في مغرب عظيم، إنسانياً واجتماعياً، فهو إنسان بسيط في تقاسمه لخبزه اليومي مع إنسان آخر، فهناك أنساس بسطاء يرحلون إلى بؤرة الزلزال من أجل مد يد المُساعدة لدرجة أصبحت الدولة تطلب من الجميع عدم التحرّك إلاّ بالتشاور. كما أنّ مراكز الدم أصبحت كثيرة حتّى أصبحت الطاقة الاستيعابية للمراكز التي لم تعُد تستطيع أنْ تستوعب كلّ هؤلاء الناس. لهذا فإنّ تقديم الأكل واللباس والابتسامات هذه أشياء ليست غريبة عن المجتمع المغربي، لكونها ذات امتداد عميق وضارب في جذور البلد.

تحرير من طرف أشرف الحساني
في 13/09/2023 على الساعة 07:30, تحديث بتاريخ 13/09/2023 على الساعة 07:30