حين يُفكّر المرء في الذهاب إلى البحر، تتقافز إلى ذهنه تلك الأعداد الغفيرة من الناس المستلقية على طول رمالٍ، تفقد كلّ سنةٍ لونها الذهبي مع حلول فصل الصيف، وتُصبح سوداء بفعل تكاثر الأوساخ وبقايا الأكل. إذْ رغم وجود مجموعة من عمّال النظافة داخل العديد من الشواطئ، ممّن يعملون بشكلٍ يوميّ ويجتهدون في خلق بيئةٍ بحرية صافية ونقيّة، إلاّ أنّ الناس لا تلتزم بالقوانين التي تضعها الجهة المسؤولة عن السياحة وأماكن الترفيه والاستجمام. هكذا تتحوّل شواطئنا إلى مستنقعات، حيث ترى وسط البحر كومة من الأزبال التي تكون عبارة عن قشور الليمون والدلاح وعلب السردين وبلاستيك المواد الغذائية. لا يوجد وعي مُسبق لدى المواطن الذي يرتكب مثل هذه الجرائم في حقّ البحر، مع أنّه يبقى الأوّل من يتضرّر من سوء التعامل مع البحر، لأنّه يكون مُضطراً إلى الجلوس وسط رفقة عائلته وأصدقائه وسط الأزبال، رغم مجهودات عمّال النظافة خلال هذه الشهور.
ينبغي أنْ نُغيّر علاقتنا اليوميّة بالبحر، ونترك كلّ تلك العادات القديمة التي تكوّنت وترسّخت في اللاوعي الجمعي المغربي، فلا يجوز حمل قنينة غاز إلى البحر وطبخ وجبات فوق الرمال وأمام الناس، بل إنّ البعض لا يجد أيّ حرجٍ من حمل « دلاحة » صوب البحر وتوزيع قطعٍ منها على أناسٍ مثله، في وقتٍ لا تجد فيه تلك القشور الكبيرة أيّ مكان لها داخل القمامة، التي تكون في العادة خاصّة فقط بورقٍ صغير أو بلاستيك خفيف وغيره. ليس الدلاح إلاّ مجرّد صورة مصغّرة عن نمط تفكير البعض، الذين يعتبرون البحر عبارة عن مطبخٍ مفتوح لـ « شهواتهم ».
رغم مظاهر الحداثة التي قد يدّعيها البعض في السوشيال ميديا ويتشدّق بها في ندوات ومحافل حول مفاهيم المواطنة والعيش المشترك، لم تنجح المؤسّسات التربوية بالمغرب، تربية جيلٍ يعرف كيف يكون مواطناً إيجابياً ويتعامل مع الفضاءات العامّة بطريقة مُعقلنة، خاصّة حين يتعلّق الأمر بالشواطئ، بما يجعله ينخرط فيها بشكل أقوى عن طريق اللعب والجري والتأمّل والتفكير. إنّ سوء التعامل مع يوميّات البحر، نابع من سوء التربية التي تلقاها البعض في حياته العائلية والمدرسية، على أساس أنّ البحر مُرادف للحرية المُطلقة التي تجعل الأطفال والشباب وغيرهم، يذهبون إلى البحر للاستمتاع بشكلٍ كامل، دون أيّ حدودٍ أو سياجات. بهذه الطريقة يتحوّل البحر إلى ملاعب كرة قدم ومطاعم مفتوحة للشواء وطبخ الطواجين والاستلقاء أمام الأمواج، في مشاهد غرائبية تجعل المرء يندهش من وقعها والتعامل معها، باعتبارها ظواهر عادية.
تُؤثّر مثل هذه المَشاهد الساخرة على صورة القطاع السياحي، وتدفع الناس إلى أمكنة سياحية أخرى، بعد المكانة الكبيرة التي غدا يتنزّلها المغرب في السنوات الأخيرة. وذلك بوصفه من الوجهات السياحية المُفضّلة للعديد من السياح في العالم. بل إنّ الجهات الوصية على ذلك أنْ تعمل على صيانة هذه الصورة من خلال قوانين زجرية، حفاظاً على الملامح الجمالية لشواطئنا المغربيّة، مخافة أنْ تتحوّل يوماً إلى مواسم وأسواق أسبوعية.