المُشكل لا علاقة له بالرواية فقط، بل أيضاً بتضخّم العملية النقدية، وكيف غدت تُمارس نوعاً من التضليل على القارئ. بحيث إنّ هذا الأخير، يجد نفسه داخل سلسلة من الأعمال الروائية التي لا تستحقّ حتّى القراءة فبالأحرى الكتابة عنها. فدور النشر أصبحت تُدعّم تجارياً كتابة الرواية وتُشجّع النقاد والفنانين والباحثين المعروفين في تخصّصات أخرى على اقتحام عالم الرواية ومجاهلها. ولأنّ هذه المؤسّسات تسعى جاهدة إلى ضرب الشعر والقصّة من خلال دعم الرواية وسرديتها، فإنّها تُحقّق عائدات مادية كبيرة تدفعها إلى إعادة نهج نفس الخطّة من جديد. إنّ الخاسر الأكبر ليس القارئ، بل الأجناس الأدبيّة الأخرى التي تجد نفسها في وضعية التهميش والنّسيان. إذْ نادراً ما تُطالعنا أعمال نقدية تحتفي بالشعر والقصّة القصيرة بالمغرب.
تهميش يُؤثّر اليوم شيئاً فشيئاً على وضعية الثقافة المغربيّة، ويُساهم في خلق الهوّة بين تخصصاتها وأجناسها وفنونها ومعارفها. من ثمّ، فإنّ الاعتراف بالرواية كديوان للثقافة في الزمن الراهن، مجرّد كذبة ابتدعتها المختبرات الأدبية بالجامعات. في وقتٍ يعرف هؤلاء النقاد بمركزية هذا الخطاب الأدبي داخل الثقافة الغربية الحديثة منها والمعاصرة. رغم أنّ الثقافة الغربية لها مهرجانات كبيرة خاصّة بالشعر. مهرجانات أصبحت معروفة بالعالم العربي وتُقام بشكل سنويّ، بما جعلها مؤثّرة في خصوصيات الشعر المعاصر.
نادراً ما يعثر القارئ على رواية مغربية جيّدة. رواية تُوازي بين عمق التخييل وجماليات الصنعة. فأغلبها مكتوب بطريقة سريعة ومُفتعلة. كما أنّ هذه الروايات لا تجد طريقها صوب الترجمة، فيكون محكوماً عليها بعسر التلقّي. كما أنّ القارئ العادي، لا يُميّز بين الروايات، إذْ غالباً ما يذهب إلى الروايات التي تُحقّق الأكثر مبيعاً أو التي تحظى ببعض الجوائز. إنّ قراءة الروايات واختيار الأهمّ للقراءة والمُتعة والألم والتفكير والتأمّل، تجربة حياتية تُرافق المرء منذ طفولته وتدفع إلى القبول بما هو أفضل. وذلك لأنّ قراءة الرواية أشبه بعيشها بجسدك، فكلّما أحسست بعذوبتها، كلّما انتشيت أكثر وعشت تجربة حياةٍ مُزدوجة بين الحياة الحقيقية التي تنتمي إليها، والحياة المُتخيّلة التي تمنحها لك الرواية على مُستوى القراءة.
لكنْ كيف نختار رواياتنا؟ هل هناك وصفة لذلك؟ أعتقد أنّ الاستسهال النقديّ الذي يُرافق كتابة الرواية اليوم، يُساهم ضمنياً في تقديم وصفات طبية عاجزة عن منح لحظات للتخفيف من آلام الاختيار. بل إنّ الاحتفاءات الواهية التي تُطالعنا داخل الجامعات، تُقدّم مثالاً سيئاً كيف غدا النقد الروائي عبارة خطابات مُفبركة يكثر فيها المديح الذي يُجهض معه دور النقد وإمكاناته على مُستوى التحرّر والمقاومة.