ينتمي سعيد بنكراد إلى فئة النقاد الذين يشتغلون بوعي فكريّ خلاّق. ذلك إنّ كتاباته تطرح أسئلة فكرية تتصل بقضايا وإشكالات المجتمع. فهو يخرجها من حدود الثقافة ونخبويتها ويجعلها موضوعاً أثيراً داخل المجتمع، وتتضارب فيه المنطلقات المعرفية بالآراء السياسية ونظيرتها الاجتماعية. ويخوض صاحب « سيميائيات النصّ » في قضايا تبدو نقدية تشغل الباحثين والنقاد والأدباء، لكنّها في العمق موضوعات ذات ميسمٍ فكريّ تتميّز بقوّتها وحدّتها في اختبار ثقافة القارئ. إنّها قضايا تُشكّل عمق الاشتغال الفكري في عدد من المختبرات العلمية الغربية، في وقتٍ تبدو فيه الثقافة المغربية هشّة وتقليدية ولا تُساير تطوّرات المعرفة الفكرية المعاصرة. يكتب بنكراد في مجالات وإن كان العديد من الباحثين والنقاد يكتبون فيها، تبق كتابات بنكراد ذات خصوصية مركزية داخل الثقافة المغربية، لأنّها كتابة عالمة تُكسّر من الممارسة النقدية التقليدية وتدفعها للبحث عن خصوصية جديدة في علاقتها بمجالات العلوم الإنسانية والاجتماعية.
على هذا الأساس، يُمثّل صاحب « البحث عن المعنى » تجربة هامة في البحث السيميائي. وذلك لكونه يُقدّم مشروعاً نقدياً أصيلاً من حيث مناهجه والقضايا المعرفية التي يُساجلها والمرتبطة بالأدب المعاصر. لكنْ إلى جانب الكتابة النقدية، تعرّف القارئ على سعيد بنكراد مُترجماً لعددٍ من النصوص الكبرى لمفكرين مثل إمبيرتو إيكو وفيليب هامون وميشيل فوكو وغريماس وإليزا غودار وغيرهم.
يقول بنكراد عن كتابه الجديد الصادر حديثا عن المركز الثقافي للكتاب بأنّ قراءة « النُّصوص القصصية الدينية قضايا تأويليَّة بالغة التَّنوُّع، بعضها مرتبط بطبيعة هذه النُّصوص ذاتها، فهي في عُرْف المؤمنين بها جزء من تصوُّر عقَديّ شامل لا يُمكن فعلُ أيِّ شيء دون العودة إليها في حالات الإباحة والتَّحريم. وهو أمر يُحيل على « أسطورة العَود الأبديِّ »، حيث الفعل الموضوع للإنجاز فيها يُحاكي فعلاً سابقاً. فما يقوم به المؤمن وما يُحسُّ به وما يَبْتغيه؛ مُودَع بشكل سابق في ذاكرة كلِّيَّة تتضمَّن مجموعةً من النُّصوص الوعظيَّة الَّتي تستوعب كلَّ ممكنات الأفعال الصَّادرة عنه. ذلك أنَّ المحكيَّات الدِّينيَّة وشبيهاتها في المثَل والحكمة هي « نماذج سلوكيَّة » جاهزة يُنظر إليها باعتبارها « حياة سابقة » يجب مُحاكاتها والاهتداء بتعاليمها، إنَّها تشتمل على أصل يُصَدِّق على كلِّ الأفعال الخاصَّة ».
وبالتالي، فإنّ بعضها في نظره « وثيق الصلة بما يمكن أن يترتّب عن إكراهات الانتماء المذهبي وجنوح الناس داخله إلى نسج الكثير من المحكيات وتأويلها وفق ما يخدم غايات موجهّة لخدمة المذهب أو الطائفة أو المعتقد الديني عامّة. فالنصوص احتمالات دلالية فحسب، وذاك ما يشكّل لا زمنيتها في تصوّر المؤمنين بها. وهي أيضاً مصدر طاقاتها الدلالية في عرف من يبحث فيها عن معانٍ لا ترتبط بالمشخص فيها، إنها في الحالتين معا لا تحمل معناها أو معانيها في ذاتها، بل تستمد جزءا منها من المعتقد أو من قرائها ».