شهدنا في السنوات الأخيرة، بروز العديد من التجارب الفنية التي اشتهرت بالتمثيل، لكنّها ارتأت في السنوات الأخيرة، أنْ تعبر صوب مجال الإخراج. لكنْ حين شاهدنا قبل سنة إدريس الروخ، يعبر من التمثيل والكتابة المسرحية صوب الإخراج السينمائي أدركنا أنّنا أمام تجربة فذّة وأصيلة تتوفّر على جميع الشروط المهنية التي تجعلها قادرة على تقديم دراما مُختلفة ومُتميّزة تهجس بالتحوّلات الفنية والجمالية. فقد استطاع عبر مسلسله « بنات العساس » و« جنين » أنْ يُبرز بقوّة هذا النوع المُذهل من الدراما الذي يُحوّل الواقع إلى ذريعة فنّية وإلى مُختبر بصري لتكثيف القول. وحقّقت الأعمال نسبة مشاهدة عالية، بعدما تفاعل معها الناس وروّجوا لها.
هكذا وجدنا أنفسنا أمام حبكة مضبوطة تُظلّلها جماليات الصورة وقوّة الأداء. بل إنّ المغاربة اعتبروا هذه الأعمال ذات صلة بواقعهم، لكونها يجدون أنفسهم أمام قصص مُستلّة من واقعهم وذاكرتهم وتاريخهم. وهذا في رأيي سبب نجاح مختلف الأعمال الدراميّة لإدريس الروخ مقارنة بتجارب عديدة كان من المُمكن أنْ تتخلّى عن مشاريعها الدرامية وتُعطي فرصة أكبر لأسماءٍ أخرى تُجيد الكتابة والإخراج.
ما فعلته سامية أقريو في « دار النسا » كان كارثياً وهي مسؤولية لا تتحمّلها هي فقط، بل أيضاً المؤسسة التي أنتجت وترعى هذا العمل الدرامي. كيف يجوز الحديث عن دراما حقيقية ونحن ما نزال أمام أخطاءٍ تافهة وصغيرة تُقلّل من الصناعة الدراميّة؟ مَشاهدٌ مُرتبكة وحبكة ضعيفة يطبعها الوهن وعدم قدرة الشخصيات على التفاعل بقوّة مع النصّ. ما فعلته صاحبة « بغيت حياتك » عبارة عن نسخة مصغّرة عن مشروع درامي مُتحلّل، يحاول فيه البعض استغلال علاقاتهم للفوز بسيتكومات وأعمال درامية وأفلام تلفزيونية.
إنّ الأخطاء الكثيرة التي يحبل بها « دار النسا » أضعفت النصّ الذي كان من المُمكن أنْ يكون نوعياً وجريئاً ومُؤثّراً في الدراما الرمضانية ويومياتها. من يتحمّل مسؤولية هشاشة هذا العمل الدرامي؟ الشركة المُنتجة؟ الممثلون الذين قبلوا بالاشتراك في العمل؟ أم أنّ الأمر له علاقة أساساً بـ « المخرجة » سامية أقريو التي لم تنجح في مهنة الإخراج، فجاء العمل غير مُكتمل وغير خاضع لأحداثٍ درامية منطقية.
إنّ العمل الدرامي مشروع فكري يُرمّم أعطاب الذات، وينظر بعين ثاقبة إلى المجتمع، إذْ يحاول بوسائله الخاصّة أنْ يخترق المجتمع ويكشف أعطابه وزلاّته. لكنّه يغدو في « دار النسا » مجرّد لعب بالأحداث ولهو بالمَشاهد. يتعلّق الأمر هنا بدراما عبارة عن « فاست فود » تُنجز قبل أيام من حلول شهر رمضان، حيث يتبارى « المخرجون » في تكثيف جهودهم للانتهاء من التصوير تحت أيّ ظرف كان. وهو أمرٌ يبدو واضحاً في عدد من الأعمال الفنية المعروضة خلال شهرة رمضان، حيث تبدو عملية الكتابة هشّة ومُرتبكة وغير قادرة على التأسيس لرؤيةٍ درامية جديدة، تعكس التحوّلات الفنّية التي بات يحبل بها المجال الفنّي في المغرب.