إذا تأملنا المسار الطويل الذي قطعه الجسد داخل الثقافة المغربيّة يتكشّف للمرء مدى قوّة الموضوع وحساسيته داخل مجتمع مغربي مُركّب، ما يزال يُؤمن بعاداته وتقاليده وتنشئته وهويته، رغم الإبدالات التي طالت هذه المفاهيم في الزمن المعاصر، والتي تجعلنا ننسى من نحن أمام هذا المد البصري، فبالأحرى التشبّث بهويّة غدت سائلة وغائمة وذائبة في طبيعة الحياة اليوميّة للآخر، والتي يصعب الجزم أنّها هويتنا ونحن نشهد انتحار الكثير من الأفكار والمبادئ. فالهوية ليست عمياء وتابثة ومُستقرّة، لكونها أشبه بكائن زئبقيّ مُتحوّل عبر الزمان والمكان. لا يهُمّنا هنا موضوع الهويّة، إلاّ بوصفها حاملة لخطاب اجتماعي موروث ما يزال يُعيق إدراكنا ومفاهيمنا وأفكارنا حول الجنس في السينما واعتباره "شبهة" لا ينبغي الخوض فيها.
وتبرز حدّة ذلك، من خلال تاريخ المنع الذي رافق مفهوم الصورة في الثقافة العربيّة الوسيطية، على أساس أنّ مسألة التجسيد مُحرّمة سواء داخل الأماكن الدينية أو خارجها من الحياة العامّة. وباعتبار "الجسد صورة" أوّلا وقبل كلّ شيء على حد تعبير المفكّر عبد الكبير الخطيبي، فإنّ هذه الرقابة ظلّت شديدة على الجسد حتّى في الحقبة المعاصرة.
ففي الوقت الذي كان فيه الفقهاء يُحرّمون تصوير الجسد داخل الأماكن العامّة، كانت أوروبا قد بدأت تتحرّر من النظام الإقطاعي والخروج بالحياة اليوميّة داخل الفضاءات العمومية من النظام الكنسي، وإعادة الاعتبار إلى الجسد من خلال أعمالٍ فنّية، ستُساهم في تغيير مسار الفنّ الغربي، عبر لوحاتٍ شرّحت الجسد الإنساني وأعادت الاعتبار إليه، وهو ما ساهم في تفجير النهضة الأوروبية على المُستوى الفنّي، بعدما ساهم الجسد في إبراز العديد من الأسماء على مُستوى التشكيل والنحت.
منذ سنواتٍ وما تزال المَشاهد الحميمية غائبة داخل الفيلم المغربيّ، ما عدا بعض العناق والقبلات السريعة كامتداد جماليّ لبنية بعض المَشاهد السينمائية، مع العلم أنّ هذه المَشاهد قد لا تكون دوماً موفّقة، بحيث توجد أفلامٌ غربيّة خالية منها ولكنّها حقّقت نجاحاً مُبهراً باعتمادها على توابل بصريّة وأنماطٍ حكائية أخرى. في حين توجد أفلامٌ عملت على صناعة مَشاهد جنسية فقط من أجل التأثير في المُشاهد وخلق "البوز" مع أنّها نجحت جماهيرياً، لكنّها فشلت من الناحية الجماليّة. يرفض المُشاهد الجنس في السينما المغربيّة، لكنّه يقبله في السينما الأميركية والفرنسيّة، وهو تناقض حقيقي لا يظهر إلاّ بؤس تمثلاتنا لمفهوم الجسد، في وقتٍ أصبح فيه كلّ شيء يُناقش في السينما. فالمُشاهد لا يُميّز بين الجسد الواقعي ونظيره الفنّي، مُعتبراً إيّاه جسداً واحداً.
تعتبر القبلة في نظر المُشاهد داخل الفيلم المغربي بمثابة مشهدٍ جنسي، وكأنّ تلك القبلة قد تحوّلت إلى مشهدٍ استفزازي. إذْ أنّ قبلة واحدة داخل فيلم مغربي يتم على منواله خلق الجدل عن طريق لعب المخرج بـ "البوند آنونس" فتُساهم القبلة في نجاح شبّاك التذاكر، مُعتقداً المُشاهد بأنّ الفيلم كلّه حميمي.