أشرف الحساني يكتب: المونوغرافيات الفنّية.. منسيّ الثقافة المغربيّة

أشرف الحساني ـ ناقد فنّي

أشرف الحساني ـ ناقد فنّي . DR

في 17/01/2023 على الساعة 16:56

تعيش الثقافة المغربيّة منذ بدايات الألفية الجديدة ما يشبه الصدمة النقديّة التي تجعلها تعيش على ماضي هذه الثقافة، بدل العيش في تخوم حاضرها.

لا شكّ أنّ المتأمّل لواقع الثقافة المغربيّة، يُسجّل مدى غياب الاهتمام بتاريخ الفنّ العربيّ داخلها، إذْ لا يعثر القارئ على كُتب مونوغرافية تقرأ تاريخ التجارب الفنّية العربيّة على ضوء التحوّلات الفنّية والجماليّة التي طالت الفنّ المعاصر. ففي الوقت الذي تنفتح فيه المختبرات العلمية الغربية على أنماط جديدة من البحث داخل العوم الإنسانية والاجتماعية نجد ثقافتنا المغربيّة قد تحوّلت إلى مختبراتٍ روائيةٍ واهية تنتج سنوياً عشرات البحوث الكاذبة التي يكون صداها أكبر من قيمتها الحقيقية.

إذْ بمجرّد انتهاء مناسبة هذه البحوث وما يُرافقها من أنشطةٍ ثقافيّة داخل الجامعة تنتهي مدّة صلاحيتها، باعتبارها مجرّد "سندويتشات" أدبيّة تُستهلك بسرعة فتُنسى كأنّها لم تكُن يوماً بتعبير الشاعر محمود درويش. ولأنّ هذه المختبرات قد توحشت فاكتسحت مُجمل الجامعات فقد غذّت معها وعياً زائفاً في كون الرواية ديوان العرب اليوم. مع أنّ هذا الرأي بقدر ما ينكره العديد من الكتاب داخل العالم العربيّ، فإنّ يعملون به على مُستوى الممارسة، وذلك من خلال تركهم وهجرانهم للشعر والقصّة والنزوح صوب كتابة الرواية، بسبب ما غدت تتمتّع به من حظوةٍ رمزيّة داخل العديد من المؤسّسات الثقافيّة العربيّة.

يعثر الباحث داخل كلّ جامعةٍ مغربيّة على أكثر من مختبرٍ علمي مُدجّج بمعرفةٍ رخيصة مُقتبسة من فكرٍ غربيّ يتم إسقاطه على روايات مغربيّة لا تتوفّر فيها أدنى شروط الكتابة الأدبيّة. مع العلم أنّ هذا التكاثر غير المُفيد تتحمّل مسؤوليته المسالك الجامعية التي تُروّج هذا النّمط من الكتابة دون أشكال أخرى مُرتبطةٍ بالصورة والجسد والسينما واللوحة وتاريخ الفنّ عموماً.

إنّ الكتابة النقديّة تسعى جاهدة إلى التعريف بالعمل الفنّي وبناء صرحٍ معرفي تُصبح فيه بعض الكتابات النقديّة الجادّة بمثابة طباقٍ فكري يُوازي العمل الفنّي في خصائصه وجماليّاته. بهذا المفهوم تغدو الكتابة ممارسة فكريّة تُمارس عيانتها بالتصاقها مع اللوحة.

لا يعثر الباحث داخل الثقافة اليوم على أيّ شكلٍ من الكتابة النقدّية أو التاريخيّة حول تاريخ الفنّ، إذْ يغيب هذا الشكل المعرفي العتيد لصالح أبحاث في موضوعاتٍ أخرى أصبحت مُستهلكة وغير قادرةٍ على مُسايرة التطوّرات التي يشهدها نظام المعرفة المعاصرة. ورغم أنّ المونوغرافيات الفنّية تُشكّل تراثاً عريقاً داخل المُمارسة الفنّية وفي تاريخ الفكر الغربيّ، ما نزال اليوم في المغرب غير قادرين على الخطو صوب المربعات الأولى لهذا النّمط من الكتابة الذي يمزج النقد الفنّي بالكتابة التاريخيّة.

فكيف يجوز الحديث منظومة فنّية مغربيّة ونحن اليوم لم نُحقّق بعد شروط الانتساب إلى هذا الفنّ؟ كيف يُمكن تحقيق حداثةٍ فنّية لمسار التجربة التشكيليّة المغربيّة ونحن ما نزال نُمارس سلفية ثقافيّة قاتلة للفنّ والجمال؟ وهل القطع مع الممارسة النقديّة قد يكون عاملاً إيجابياً لتطور المُمارسة التشكيليّة على خلفية أنّ النظريات والمفاهيم تُثقل جسد اللوحة ولا تتركها تتطوّر وتفتح لنفسها مسارب ضوءٍ جديد بها تُنير عتمتها في ليل المادّة والشكل؟

تحرير من طرف أشرف الحساني
في 17/01/2023 على الساعة 16:56