أعادت الأمطار الغزيرة والثلوج الكثيفة التي تساقطت مؤخرًا، خاصة بإقليم إفران، بعض الحياة إلى واحدة من أبرز وجهات السياحة البيئية في المغرب، وقد ساهمت في إنعاش المناظر الطبيعية الرمزية للمنطقة، من غابات الأرز والشلالات إلى الوديان الخضراء، ما جذب مجددًا هواة الطبيعة والسياحة الإيكولوجية.
ووفق معطيات صادرة عن وكالة الحوض المائي لسبو، فقد شهدت بعض العيون انتعاشًا استثنائيًا في صبيب بعض المنابع بنسبة تجاوزت 1685%، خاصة بمنبع « عين أمغاص » التي ارتفع صبيبها من 110 لتر/الثانية في دجنبر 2024 إلى حوالي 1964 لتر/الثانية في مارس 2025، أي بنسبة نمو تجاوزت 1600%، كما سجلت « عين زروقة » تحسنًا مماثلًا بزيادة في الصبيب فاقت 987% خلال الفترة نفسها، وحتى المنابع التي كانت تُعد شبه ميتة مثل عين رباعة السفلى، عادت لتُسجّل تدفقات مهمة.
هذا التحسن المائي ساهم في تغذية مجموعة من الأودية الفرعية بالمنطقة، لا سيما وادي زروقة ووادي تامدقين، ووادي أهلّال، كما ساعد في إعادة إحياء المنظومة البيئية ببعض المناطق التي كانت قد جفّت بالكامل، مما انعكس بشكل إيجابي على الغطاء النباتي والتنوع البيولوجي المحلي.
كاميرا le360 عاينت من أعالي منابع « عين فيتيل »، عودة المياه لمناطق كانت في وقت سابق على مشارف الجفاف، وهي مؤشرات إيجابية برزت ابتداءً من « مخيم الأمير » الواقع أسفل « عين فيتيل »، حيث عرف وادي زروقة انتعاشًا ملحوظًا في صبيبه، مما عزز تدفق المياه نحو وادي تزكيت، رغم أن هذا التحسن ما يزال مشروطًا بتساقطات مستقبلية، خاصة الثلوج التي تُعتبر المصدر الأساسي لتغذية المياه الجوفية خلال فصل الصيف.
ورغم أهمية هذه الموارد المائية الجديدة، فإن العديد من مجاري المياه داخل المنتزه الوطني لإفران لم تسترجع حيويتها السابقة، فما تزال آثار الجفاف حاضرة بمناطق أخرى « كضاية عوا » التي تُعد من أبرز المعالم الطبيعية والسياحية بالإقليم، والتي لا تزال في وضعية جفاف تام، ويرجع الخبراء هذا الوضع إلى التراجع الحاد في منسوب الفرشات المائية الجوفية التي تغذي البحيرة، والتي لم تستطع التساقطات الأخيرة تعويضها بالشكل الكافي لتدارك سنوات من العجز المائي.
وفي هذا السياق، دعا عدد من المختصين إلى ضرورة تبني استراتيجية أكثر استدامة في تدبير الموارد المائية، ترتكز على مراقبة الاستغلال العشوائي للمياه الجوفية، ودعم مشاريع التخزين وإعادة التغذية الاصطناعية للفرشات المائية، إلى جانب الحفاظ على الغطاء الغابوي الذي يلعب دورًا أساسيًا في تنظيم الدورة المائية الطبيعية.
وتبقى عودة المياه إلى بعض العيون بإفران بمثابة بصيص أمل لسكان المنطقة والفاعلين البيئيين، لكنها في الآن ذاته تذكير بضرورة التحرك العاجل لضمان الأمن المائي في ظل التغيرات المناخية المتسارعة وتزايد الضغط البشري على الموارد الطبيعية.