هل تذكرون واقعة دهس أغنام بالمنصورية؟ تطورات جديدة تعيد القضية إلى الواجهة

المحكمة الابتدائية بمدينة بنسليمان

المحكمة الابتدائية بمدينة بنسليمان

في 03/04/2023 على الساعة 12:54

في مثل هذا الوقت من عام 2020، وفي عز الحجر الصحي الذي فرضته جائحة كورونا، تفجرت قضية هزت الرأي العام بالمغرب، إثر انتشار مقطع فيديو على نطاق واسع عبر الانترنيت يظهر فيه مواطن فرنسي مقيم بضواحي مدينة المحمدية، وهو يدهس بسيارته، بوحشية متعمدة، قطيعا من الأغنام أمام أنظار طفل قاصر كان يرعاها. انتهت تلك الضجة باعتقال المتهم وإدانته بالحبس مع أداء تعويض مالي لفائدة مالك الأغنام.. لكن، بعد مرور ثلاث سنوات، طفت إلى السطح تطورات جديدة تنبئ بأن هاته القضية لم تنته أصلا، بل انبعثت من جديد. ماذا حدث؟


بعد غد الأربعاء الموافق لـ5 أبريل 2023، ستبث المحكمة الابتدائية بمدينة بنسليمان في قضية رفعها مواطن فرنسي مقيم بإقليم بنسليمان ضد شاب مغربي يدعى محمد الزرهاني، يقطن بالمنطقة نفسها، حيث يتهمه بـ«التهديد بالقتل والتشهير والسب والقذف». المدعي هنا ليس سوى ذلك الأجنبي الذي سبق أن أدانته المحكمة نفسها في قضية دهس أغنام بشاطئ «دافيد» يوم 2 ماي 2020. أما المدعى عليه فهو الشاب الذي كان وراء فضح واقعة الدهس، إذ كان حاضرا وقتها فوثّق التصرف الهمجي للمواطن الفرنسي بكاميرا هاتفه النقال.

«هذا الفيديو الذي وثّقتُ به واقعة الدهس ونشرته عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وضعني منذ الوهلة الأولى في مواجهة مع المواطن الفرنسي، الذي يُسمع صوته في آخر المقطع المصور وهو يهددني بأنني سألاقي نفس مصير تلك الأغنام إن لم أغادر!»، يقول الشاب محمد الزرهاني، كاشفا خلال حديث مع Le360 أن صراعه مع غريمه بدأ منذ تلك اللحظة، قبل أن يستطرد متسائلا باستغراب: «كيف تحول هذا الشخص من مرتكب فعل يجرّمه القانون إلى (ضحية) يسعى إلى إدانتي بسبب تصويري لجُرمه؟!».

يُسيّر هذا الأجنبي (في الخمسينات من عمره) فضاء ترفيهيا بشاطئ الصنوبر المعروف بشاطئ «دافيد» بضواحي مدينة بوزنيقة. يومها أقدم على دهس قطيع ماشية بسيارته، بدعوى أن الأغنام دخلت أرضا في ملكه. لكن، تبين لاحقا من خلال التحقيق أن هذا الأجنبي كان «يحتل» تلك الأرض التابعة للملك الخاص للدولة المغربية.

شاهد تفاصيل الواقعة من خلال هذا الربورتاج:

أسبوعان بعد الواقعة التي استأثرت باهتمام الرأي العام والمجتمع المدني والحقوقي بالمملكة، قضت المحكمة الابتدائية ببنسليمان (يوم 18 ماي 2020) بحبس المتهم الفرنسي شهرا واحدا، كما حكمت عليه بأداء تعويض قدره عشرون ألف درهم لفائدة مالك الأغنام.

هجوم مضاد

لم تنته القصة بقضاء المتهم لعقوبته الحبسية، بل سرعان ما بدأت فصول جديدة من الهجوم المضاد عقب مغادرته لأسوار السجن.

«ما إن غادر السجن حتى سارع إلى تقديم شكاية ضدي يتهمني فيها بالسب والتهديد بارتكاب جناية. واستدعتني عناصر الدرك الملكي بالمنصورية من أجل التحقيق، فأدليت بما يفيد بأنني أنا من يتعرض للتهديد من طرف المشتكي»، يصرح محمد الزرهاني أن الفرنسي عقد العزم على الانتقام منه بسبب تصويره للفيديو الذي كان له الفضل في نقل الواقعة المؤلمة إلى الرأي العام.

وأكد الشاب أن النيابة العامة قررت «حفظ الملف» وقتها. بيد أنه سيتفاجأ، بعد مرور أزيد من عامين ونصف على الواقعة، بتحريك الشكاية ذاتها من جديد.

نسخة من استدعاء المحكمة للشاب محمد الزرهاني


صدمة وحسرة

عشية ذلك السبت 2 ماي 2020، كان الطفل أيمن الشتوي (14 سنة)، يرعى غنم والده الذي اضطر إلى نقل الراعي إلى إحدى مستشفيات مدينة الدار البيضاء بعدما فاجأته وعكة صحية. كان يرعاها غير بعيد عن بيت أهله، في مساحة خضراء تابعة لأراضي الجموع بمحاذاة الفضاء الترفيهي الذي يستغله الفرنسي، قبل أن يفاجئه الأخير ويصدمه بتصرفه الوحشي الذي تسبب في نفوق 11 رأسا من الشياه والأكباش.

بعد انتشار هذا الفيديو المؤثر لطفل يبكي بحرقة بسبب ما لحق ظلما بأغنامه، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، سارعت كل من جمعية «ماتقيش ولدي»، الناشطة في الدفاع عن حقوق الأطفال، إلى تنصيب نفسها كطرف في القضية لفائدة الطفل أيمن. وسار على نهجها أيضا الفرع المحلي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان بمدينة بنسليمان.

«لقد أثرت الحادثة كثيرا في نفسية أيمن. كان يقفز فزعا من نومه، ولازمه الخوف والارتجاف مدة طويلة، وتسبب له هول ما رأته عيناه الصغيرتان من وحشية في الشرود طوال الوقت»، يحكي حسن الشتوي، والد الطفل أيمن الذي يبلغ من العمر الآن 17 عاما.

ويقول هذا الأب، في حديث مع Le360، إن فلذة كبده بالكاد تجاوز محنته النفسية جراء واقعة الدهس، لكنه تنفس الصعداء وأثنى على الله وحمده وهو يعلن أن ابنه قد تعافى كليا من تلك الصدمة.

غير أن «الصدمة» التي ما تزال تلازم هذا الكساب، حسب تعبيره، تكمن في كونه لم يتلقّ حتى الآن أي تعويض عن رؤوس الأغنام التي نفقت بسبب الدهس. «لم أكن راضيا عن مبلغ 20 ألف درهم الذي قضت به المحكمة لصالحي، فاستأنفتُ الحكم لكن تم تأييد نفس المبلغ في مرحلة الاستئناف».

«من قتل أو بتر بدون ضرورة، أحد الحيوانات المشار إليها في المادة 601 يعاقب على التفصيل الآتي: إذا ارتكبت الجريمة في مكان يملكه أو يزرعه الجاني فعقابه الحبس من ستة أيام إلى شهرين وغرامة من مائة وعشرين إلى مائتين وخمسين درهما أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط. إذا ارتكبت الجريمة في أي مكان آخر فعقوبتها الحبس من خمسة عشر يوما إلى ثلاثة أشهر وغرامة من مائة وعشرين إلى ثلاثمائة درهم»

—  الفصل 603 من القانون الجنائي المغربي

عدم الرضى عن التعويض الذي قدرته المحكمة، مرده، حسب حسن الشتوي، إلى أن الرؤوس الإحدى عشرة التي نفقت تتجاوز قيمتها بكثير مبلغ 20 ألف درهم الوارد في الحكم القضائي. «لقد فقدت كبشا فحلا يقدر ثمنه بتسعة آلاف درهم، وكانت بين الشياه النافقة، التي اقتنيتها بألفي درهم للواحدة، حوامل في أحشاء بعضهن ثلاثة حِملان»، يقول حسن بنبرة تنم عن شعوره بحسرة شديدة.

حسرته هذه ستشتد أكثر عندما سيكتشف أن حتى ذلك التعويض الذي يصفه بـ«الهزيل» لن يقبضه. «حين سلكنا مسطرة التنفيذ، تفاجأنا بتهرب المحكوم عليه من الأداء، وتعذر علينا الحصول على عنوانه الجديد بعدما غادر مسكنه في شاطئ دافيد»، يختم الشتوي كلامه معلقا آماله على العدالة من أجل إنصافه.

تحرير من طرف ميلود الشلح
في 03/04/2023 على الساعة 12:54