في وقت تفقد فيه فرنسا أصدقائها في منطقة الساحل. تتحرك الولايات المتحدة نحو المغرب. ويُعلِن بلاغ رسمي أن الاجتماع تعرض لما يجري في هذه المنطقة التي تشهد تمدد الإرهاب والجرائم العابرة للحدود. بعد مالي جاء الدور على بوركينافاسو لإنهاء الوجود العسكري الفرنسي في الساحل، فتحولت باريس من حليف في مواجهة الإرهاب إلى خصم سياسي لدول المنطقة. الأخطاء الفرنسية فتحت الباب أمام توسع النفوذ الروسي، لأن فرنسا وحلفائها الأوروبيين، الذين انخرطوا في تحالف عسكري في الساحل أطلق عليه اسم « قوات تاكوبا »، جاؤوا إلى المنطقة يبحثون وقف الهجرة وليس محاربة الإرهاب.
لم يعد خافيا التحديات الأمنية في الساحل، فحالة التفكك السياسي ومشاكل النزوح والجرائم العابرة للحدود وتنامي الجماعات الإرهابية. كلها عوامل جعلته أشبه بـ «برميل بارود». المنطقة التي توجد غير بعيدة عن «المجال الحيوي الأمني» للمملكة، سرعان ما تحولت إلى بؤرة جاذبة للمقاتلين في صفوف تنظيم القاعدة ولاحقا داعش. خلال السنوات الماضية برزت منطقة الساحل الإفريقي كخزان بشري للجماعات الإرهابية المتمركزة في بؤر التوتر التقليدية. غير أن انهيار البنية الحاضنة لهذه الجماعات في سوريا والعراق. جعل من الساحل وجهة للمجموعات المتطرفة. لاحقا، انتهى « التنافس الجهادي » لصالح تنظيم « الدولة الإسلامية » وتراجع نفوذ « القاعدة »، فباتت أغلب الجماعات الإرهابية في الساحة الإفريقية تدين بالولاء لـ«داعش».
قبل أكثر من عشر سنوات نشر المركز الأمريكي « كَارينجي » تقريرا بعنوان « هل تُصبح القاعدة إفريقيةً في منطقة الساحل؟ ». التقرير نبه إلى مخاطر « أَفْرقَة » الإرهاب وتحلله من النفوذ « العربي » في شبه الجزيرة العربية والقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. اليوم، اختلفت التسميات والتحالفات التي تقودها الجماعات الإرهابية في الساحل، لكنها تُثبت حقيقة واحدة مفادها تمدد هذه المجموعات المتطرفة في المنطقة، وسيطرتها على جغرافيا واسعة من المثلث الحدودي لتشاد ومالي وبوركينافاسو، وهي تهدد أيضا دولا في خليج غينيا منها توغو والبنين وساحل العاج.
يمكن قراءة الرهان الأمريكي على التعاون الأمني بمنطقة الساحل في سياق عقيدة عسكرية أمريكية ترى في المغرب عامل استقرار في المنطقة وشريك موثوق حاضر أمنيا واستخباراتيا، كما أن لدى مؤسسته الأمنية رؤية استراتيجية في مجال مكافحة الإرهاب والتهديدات الناشئة والتحديات الأمنية المرتبطة بها. دينامية العلاقات الأمنية المغربية الأمريكية انطلقت فعليا باتفاق على وضع الآليات الكفيلة بتتبع ومواجهة حركية المقاتلين في التنظيمات الإرهابية عبر المنافذ الحدودية، وتبادل المعلومات بشأن المقاتلين وتدعيم التعاون العملياتي بين أجهزة الاستخبارات في البلدين.
في السنوات الأخيرة قدمت الدبلوماسية الأمنية للمغرب نفسها كقوة ناعمة في إدارة العلاقات الخارجية للمملكة. وشكل هذا التعاون مدخلا لتمتين هذه العلاقات كواجهة للتكامل الإقليمي شمال جنوب في مجال محاربة الجريمة العابرة للحدود. ولم تقتصر هذه الدبلوماسية على فكرة الجوار، سواء مع البلدان الأوروبية أو الإفريقية، كمحدد للتنسيق والتعاون الأمني، بل شكل التقارب المغربي الأمريكي في مجال التعاون الأمني قاعدة للتقارب السياسي أيضا. بالمقابل، حرص المغرب على إبقاء التعاون مع الأوربيين خارج منطق السياسة. إذ رغم الأزمات التي تمر بها العلاقات الثنائية تظل المملكة وفية لالتزاماتها بالتعاون والتنسيق وتبادل المعطيات الأمنية.
في منطقة الساحل. استفادت فرنسا بدورها من هذا الالتزام المبدئي. وبفضل المعلومات التي وفرتها المصالح الأمنية المغربية، تمكنت القوات الفرنسية من تحييد مخاطر قيادات داخل التنظيمات المتطرفة بالساحل. في مالي شهر أكتوبر 2019 تم تحييد قيادي في « جماعة نصر الإسلام والمسلمين » في عملية عسكرية. وفي ماي 2020 نفذت القوات الفرنسية عملية أخرى للقضاء على قيادي بارز في تنظيم « داعش في الصحراء الكبرى » بالجنوب الشرقي لمالي. العمليتان تمت بترتيب استخباراتي مغربي وتنفيذ فرنسي.
على ضوء ما سبق، يُمكن قراءة جزء من الزيارة الأخيرة لمدير مكتب التحقيقات الفيدرالي إلى المغرب. التنسيق الأمني وتوسيع نطاقه إلى الساحل. والأهم، تقدير المخاطر المترتبة عن فشل عسكري فرنسي انتهى بتعطيل عمليات «برخان». فقررت فرنسا إنهاء عملياتها العسكرية، بينما الجماعات المتطرفة هناك. باقية وتتمدد!