إحسان الحافظي يكتب: ملاحظات حول قرار البرلمان الأوربي.. من تقييم المحاكمة إلى التدخل في الحكم

إحسان الحافظي: عضو فريق الملاحظة -اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان . DR

في 22/01/2023 على الساعة 11:11

يبدو قرار البرلمان الأوروبي الأخير، المعادي للمغرب، يُشكّل محاولة لاستدراج المملكة نحو مرحلة جديدة من التصعيد الذي بدأ قضائيا في بروكسيل وانتقل إلى دروس في الحريات وحقوق الانسان بسبب محاكمات نهائية

وهكذا، فبصرف النظر عن الالتباس المقصود في قرار البرلمان الأوروبي بين قضايا حقوق الإنسان وملفات العمل المخابراتي الذي يقف وراء الادعاءات بأن السلطات المغربية حاولت إفساد المنتخبين أعضاء في البرلمان. يبدو القرار محاولة لاستدراج المغرب نحو مرحلة جديدة من التصعيد الذي بدأ قضائيا في بروكسيل وانتقل إلى دروس في الحريات وحقوق الإنسان بسبب محاكمات نهائية. 

اتضح جليا أن الغرض من هذا الخلط بين ملف أمني مخابراتي، يهم ادعاءات بشراء أعضاء في البرلمان الأوروبي للدفاع عن المصالح المغربية. وملف قضائي، توفرت فيه كل شروط وضمانات المحاكمة العادلة، أريد له ان يكون ورقة ضغط حقوقي لكسب تنازلات اقتصادية أو تجارية وحتى دبلوماسية. ومع ذلك لم يقدم البرلمان الأوربي دلائل على الاتهامات التي كالها للمملكة في قراره المخدوم في توقيته وسياقه! 

لعل أكثر ما يثير الاستغراب في القرار هو الانحراف المكشوف بالتركيز على تقييم حكم قضائي صادر عن سلطة قضائية مستقلة. ربما يكون مقبولا من جهة الشراكة المغربية الأوروبية أن يركز قرار البرلمان الأوروبي على تقييم المحاكمة وشروطها ومدى تحقق ضمانات المحاكمة العادلة من عدمه! لكن أن يختص بالتشكيك في الحكم فإن ذلك فيه تجاوز كبير يضرب مبدأ السيادة القضائية بصرف النظر عن الانتصاب كطرف في ملف طرفاه متهم وضحايا. تجاوز مشبوه غرضه تشبيك الملف الحقوقي والأمني والقضائي وبالتالي حمل نواب البرلمان الأوروبي على التصويت لفائدة القرار. وكذلك كان! 

ماذا يعني "توفير محاكمة عادلة للصحافيين المسجونين.. فضلا عن الإفراج المؤقت عنهم" كما جاء في نص القرار؟ ربما تقول هذه الفقرة كل شيء عن نظرة التعالي التي لا يزال ينظر بها بعض الساسة الأوروبيين الذين لم يتقبلوا بعد أن من حق المغرب تنويع شراكاته والدفاع عن مصالحه، وعلى كل المسارات الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية والشراكات العسكرية التي تعزز مكانة المملكة المغربية كعامل استقرار إقليمي ودولي حليف استراتيجي ضد الإرهاب والتهديدات الأمنية الناشئة في مواجهة شبكات الهجرة والاتجار الدولي في البشر والجريمة المنظمة بكل تداعياتها على أوروبا اليوم. 

قرار البرلمان الاوربي حول ملف المحاكمات تحديدا يناقش منطوق الحكم وليس شروط المحاكمة، ويشوه المعطيات المتعلقة بالملف، ومعنى ذلك أن كل الأعمال والتقارير التي أنجزتها منظمات دولية أوفدت ممثليها لحضور جلسات المحاكمة لم تقدم دليلا واحدا يشكك في شروط المحاكمة العادلة بل إن التصرفات والمواقف والتصريحات التي صدرت عن هؤلاء "الملاحظين" كانت تضرب في الجوهر المحاكمة العادلة. تارة بإطلاق تصريحات سياسية كما فعلت "مراسلون بلا حدود" حينما توجهت من أمام المحكمة في إحدى الجلسات لشخص الملك مباشرة ومطالبته بالتدخل في سلطة القضاء، وكما فعلت هيأة الدفاع التي تعمدت مخاصمة القضاء وإصدار بلاغات موقعة باسم "لجنة التضامن" تشكك في المحاكمة وتطعن في حقوق الضحايا والشهود، زد على ذلك الانزال الكبير داخل فضاء المحكمة طيلة أطوار جلسات المحاكمة غايته تخويف الضحايا وترهيب مجلس القضاء عبر الاستقواء بالمنظمات الحقوقية الأجنبية لتدويل قضية عادية اختزلت شرف كل هؤلاء "المناضلين".

إن انحراف قرار البرلمان الأوروبي من التعليق على "المحاكمة" إلى تقييم "الحكم" مُدان ومشبوه، يعكس نفاقا أوروبيا حول أبسط قواعد العمل الحقوقي وتحديدا عمل الملاحظين في مجال الحق في محاكمة عادلة كما جاء في المادة السادسة من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان. وفق هذا القانون نفسه تتحقق شروط المحاكمة العادلة من خلال الحق في مرافعة علنية عادلة خلال مدة معقولة مع الإخطار بطبيعة الاتهام وتمكينه من الدفاع وحضور الجلسات.

فعليا، تنسجم هذه القواعد مع التقرير الأولي الذي أعده المجلس الوطني لحقوق الانسان حول محاكمة الصحافيين عمر الراضي وسليمان الريسوني، سواء تعلق الأمر باحترام شرط العلنية في المحاكمتين، والتجاوب مع طلبات الدفاع إجرائها حضوريا وإشعار المتهمين بالتهم الموجهة إلى كل منهما، وتمكن كل واحد منهما من الاتصال بمحام من اختياره، وتمكينهما من الوقت والتسهيلات اللازمة لإعداد الدفاع. كما استجابت المحكمة لطلبات التأجيل المتعددة التي قدمها دفاع كل متهم على حدة من أجل تحضير المحاكمتين، مع ما صاحب ذلك من طلبات تأجيل غير مبررة وامتناع عن الحضور لتعطيل العدالة. والجدل حول بعض طلبات دفاع المتهمين من قبيل استدعاء شهود سبق استجوابهم من قبل قاضي التحقيق، ومسألة عدم التوقيع على المحضر أثناء الاستماع للمتهمين من قبل الدرك الملكي، لكن دون أن يطعن الدفاع في مضمون التصريحات المدونة به، لعلمه بصحتها.

إن الغاية من القفز على كل هذه المعطيات هو تبخيس جهود المؤسسات الوطنية لحقوق الانسان ومعه جهاز العدالة والموظفين المكلفين بإنفاذ القانون، وخلق حالة من التشبيك في بين ملفات أمنية وحقوقية وأخرى موضوع تحقيقات قضائية جارية، وكل ذلك لأجل ممارسة التأثير على الدولة ومؤسساتها بأدوات المجتمع، وهذا من أبشع صور التدخل الأوروبي في السيادة بحثا عن مكاسب السياسة.

إحسان الحافظي: عضو فريق الملاحظة -اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان

في 22/01/2023 على الساعة 11:11