ولتسليط الضوء على أبرز هذه التغيّرات، أجرى Le360 حوارا مع الدكتور محمد بنطلحة الدكالي، مدير المركز الوطني للدراسات والأبحاث حول الصحراء.
ما المقصود بالحرب السيبرانية؟
لقد عرف قاموس أوكسفورد الحرب السيبرانية أنها «استخدام تقنيات الحاسوب لتخريب نشاطات دولة أو منظمة، خاصة الهجمات التي يتم تحضيرها على منظومات المعلومات الخاصة، وذلك لغايات استراتيجية أوعسكرية».
أما موقع «تكوبيديا» (Techopedia)، فقد عرفها أنها «كل هجوم افتراضي يجري بدوافع سياسية على أجهزة العدو الإلكترونية وشبكات الإنترنت وأنظمة المعلومات الخاصة به، لتعطيل منظوماته المالية وأنظمته الإدارية، وذلك من خلال سرقة قواعد معلوماته السرية أو تعديلها لتقويض الشبكات العنكبوتية والمواقع ونظام الخدمات».
ويعرفها الدكتور بول روزنفياغ، أستاذ القانون في جامعة جورج واشنطن، في بحث له عن قانونية هذه الحرب، نُشر في عام 2012 أنها: » «حرب ذكية أقوى من أي هجوم بري أو جوي، وأكثر ذكاء وأقل تكلفة، فهي لاتحتاج إلى معدات حربية ولا جنود، لكنها تحتاج إلى قدرات علمية عالية».
نعم إذا كانت القوة العسكرية تشكل الركيزة الأساسية للدول وكذا تقييم وزنها السياسي في المعترك الدولي، ويشمل ذلك المعدات العسكرية والقدرات التكنولوجية وجاهزية الجيوش القتالية، إنها كما يعرفها مولدسكي «قابلية الدولة في استخدام الوسائل المتوفرة لديها من أجل الحصول على سلوك ترغب أن تتبعه الدول الأخرى».
في زمننا الحاضر وبالضبط منذ مطلع ثمانينات القرن الماضي، عرف مفهوم القوة العسكرية والنفوذ تغييرا كبيرا نتيجة التغير الجذري في الأداء الاستراتيجي للدول الكبرى التي بدأت تعتمد بشكل كبير على الحروب الافتراضية السيبرانية لأن هجمات الفضاء السيبراني أصبحت معيار التفوق وعنصرا فعالا وداعما لأمن الدول وحماية مصالحها الاستراتيجية.
يقول «صن تزو»، الاستراتيجي العسكري الصيني في كتابه «فن الحرب»، إن أعظم انتصار هو الذي لايحتاج إلى معركة.
وهي ليست حربا تدور رحاها على أرض المعركة بواسطة المدافع والقنابل، إنها حروب صامتة تدور في الفضاء السيبراني، إنها معارك طاحنة بلا ضجيج تعتمد على العديد من الاستراتيجيات العسكرية (الاستطلاع، التسليح، التسليم، الاستغلال، التثبث الإلكتروني والقيادة والسيطرة).
وتتضمن الحرب السيبرية عمليات التجسس والتخريب.
التجسس: تستخدم طرق لتعطيل عمل الشبكات العنكبوتية وحواسيبها وأنظمتها بهدف سرقة معلومات سرية من مؤسسات الخصم أو الأفراد ونقلها إلى الصديق السياسي أو العسكري أو المالي.
التخريب: تتعرض حواسيب الأنظمة العسكرية والمالية لخطر التخريب بهدف تعطيل عملياتها الطبيعية وتجهيزاتها.
بناء على هذه المعطيات، ما مدى خطورة الحرب السيبريانية؟.
إن للحرب السيبريانية تأثيرا عالميا مدمرا، إذ قد تؤدي إلى تدمير بنية تحتية لدولة ما، بما في ذلك سدودها المائية ومفاعلاتها النووية.
إنه صراع الفضاء الإلكتروني الذي يهدف إلى إيقاع خسائر فادحة بالطرف الآخر عن طريق قطع أنظمة الاتصال بين الوحدات العسكرية أو تضليل معلوماتها أو التلاعب وتزييف بياناتها الاقتصادية والمالية.
إنها أكثر تأثيرا وأقل جهدا،وهذا مايدعو إلى تطوير الاستراتيجية العسكرية حتى تتجاوب مع هذا النمط الجديد من الحروب في العصر الرقمي الذي فرض علينا مصطلحات حربية جديدة من قبيل: » التسلح الإلكتروني، الجيش الإلكتروني، الهجوم السيبيري، الجيش الإلكتروني».
لقد دفع هذا الواقع الجديد إلى مطالبة مجموعة من الدول بعقد اتفاقيات دولية للحد من التسلح داخل الفضاء الإلكتروني من أجل وضع قيود على الحروب الإلكترونية واستخدامها وتوزيعها وانتشارها وتطويرها.
هل استفادت هذه التنظيمات من الفضاء الالكتروني كمنصة للحرب النفسية؟
فعلا لقد استخدم الفضاء الإلكتروني لإطلاق الحرب النفسية ضد الخصوم لبث الرعب والخوف، كما يستخدم الإنترنت في شن هجمات إلكترونية من شأنها إلحاق خسائر بالخصم تكون مالية حيث تستهدف البنوك أو المواقع الحكومية التي تحتوي على بيانات هامة أو استهداف منشآت صناعية.
إن الخصم يلجأ إلى عمليات التضليل والإشاعة من أجل التأثير في الرأي العام والمخيال الجمعي.
على الدول حماية أمنها القومي وتطبيق استراتيجيات الأمن السيبراني وسن تشريعات وقواعد تنظيمية للحد من هذا الاستهداف المقصود.
إني أؤكد على ضرورة الحصانة الأمنية في مواجهة العدو وعلى ضرورة كسب تلك المناعة النفسية والاجتماعية التي لاتأبه لترويج الشائعات والخرافات والمغالطات... إن عواقبها تكون أقسى في المجتمعات الهشة التي تعاني من انهيار مجتمعي وقيمي.
وماذا عن دور المغرب في المبادرات الرامية إلى إرساء فضاء سيبراني آمن؟
إن المغرب نفذ أول استراتيجية وطنية للأمن السيبراني التي تمت بلورتها سنة 2012، مما مكن بلادنا من إحراز تقدم ملموس من حيث تعزيز مرونة الفضاء السيبراني الوطني وتحسين أمن نظمنا المعلوماتية.
ونجد أن الاستراتيجية الوطنية 2030 في مجال الأمن السيبراني تعكس طموحا قويا في هذا المجال.
لقد بدلت المملكة المغربية عدة مجهودات تهدف إلى توسيع نطاق حماية المعلومات الحساسة للبنيات التحتية ذات الأهمية الحيوية وكذا إبرام اتفاق بشأن التدابير الأمنية المناسبة التي يمكن تطبيقها لتحسين الثقة الرقمية وتقوية مناعة نظم المعلومات الوطنية لمواجهة المخاطر المحدقة بها والحفاظ على منظومة وطنية متكاملة وفعالة لأمن نظم المعلومات تأخذ بعين الاعتبار السياق الوطني والدولي.