المؤرخ الفرنسي برنارد لوغان يكتب: هل تُدار الجزائر من المرادية أم من تندوف؟

Bernard Lugan.

المؤرخ الفرنسي برنارد لوغان

في 21/01/2025 على الساعة 11:00

مقال رأيخلال الاجتماع الذي عُقد في تندوف، وُجّهت اتهامات إلى تركيا بارتكاب جرائم حرب وانتهاكات متعددة، مما أثار غضب الرأي العام التركي الذي اكتشف الحدث عبر الصور التي نشرتها الصحافة، حيث ظهر نشطاء من أنصار استقلال كردستان يقفون إلى جانب أعضاء من جبهة البوليساريو، ما اعتُبر استفزازًا لأنقرة وأدى إلى غضب الأوساط السياسية التركية.


تشهد تندوف، وهي مدينة مغربية قدمتها فرنسا للجزائر عام 1962، أحداثا فريدة من نوعها. في هذه « العاصمة » المعلنة ذاتيا لما يُسمى بالجمهورية الصحراوية المزعومة، استضافت جبهة البوليساريو، من 4 إلى 7 يناير 2025، وفدا من حركة وحدات حماية الشعب الكردية (YPG) خلال ما أطلقت عليه « قمة التضامن الصحراوي ». وتعد وحدات حماية الشعب الجناح المسلح لحزب الاتحاد الديمقراطي(PYD)، الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني التركي (PKK). ويُصنف هذا الأخير كمنظمة إرهابية من قبل تركيا، وكذلك من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

خلال اجتماع تندوف، وُجّهت اتهامات إلى تركيا بارتكاب جرائم حرب، مما أثار استياء الرأي العام التركي الذي شاهد صورا لرفع أعلام كردية ولافتات تطالب باستقلال روجافا (كردستان السوري) وكردستان التركي.

وقد أثار هذا الاجتماع غضب الأوساط السياسية التركية، وعبر عنه بلهجة حادة النائب بهادر ناهيتي ينيشهيرليوغلو من حزب العدالة والتنمية (AKP) الحاكم: « لقد شاهدنا مؤخرا وصول عناصر إرهابية انفصالية كردية إلى الجزائر التي كنا نعتبرها بلدا صديقا. الجزائر التي أطعمتها وحمتها تركيا كثيرا، الجزائر التي كانت إلى وقت قريب ولاية تحت حماية السلطان العثماني، أصبحت اليوم تستقبل مجموعة من الإرهابيين الأكراد على أراضيها. أشعر الآن أن الإمبراطورية العثمانية ارتكبت خطأً عندما باعت ولاية الجزائر التركية (سنجق الجزائر) لفرنسا. الجزائر تعلم أنه لولا أجدادنا الأتراك ولولا القائد العظيم خير الدين بربروس، لظل سكان الجزائر عبيدا للإسبان كما وجدهم بربروس الكبير ».

تاريخيا، لم يكن النائب بهادر ناهيتي ينيشهيرليوغلو مخطئا. ففي عام 1515، طلب الجزائريون مساعدة الأخوين بربروس للتخلص من الحامية الإسبانية في جزيرة البنيون التي كانت تُخضع الجزائر بنيران مدفعيتها. وأرسل السلطان سليم الأول وسليمان القانوني (1512-1520) 2000 من الإنكشارية و4000 جندي نظامي، وفي عام 1519 تمكن خير الدين بربروس، بفضل هذا الدعم، من طرد الإسبان من الجزائر. ومن هنا بدأت الحقبة العثمانية في الجزائر التي استمرت حتى الغزو الفرنسي عام 1830.

فكيف نفسر إذن هذا الخطأ الفادح من الجزائر؟ هناك تفسيران محتملان:

1. في إطار تسوية مع بشار الأسد، حاول النظام الجزائري « التقارب » مع السلطات السورية الجديدة من خلال اقتراح إرسال وزير الخارجية الجزائري إلى دمشق. لكن أحمد الشرع، الرجل الجديد القوي في سوريا، رفض استقباله. وفي هذه الظروف، قد تكون دعوة وحدات حماية الشعب الكردية (YPG/PKK) إلى تندوف رد الجزائر على هذا الرفض. ورغم أن السفير الجزائري في أنقرة، السيد عمار بلاني، نفى رسميا هذه الاتهامات ووصفها بأنها « خيالية » و »لا أساس لها »، إلا أن الواقع يكمن في التأشيرات التي تُمنح لدخول الجزائر والتي صدرت فعلا للنشطاء الأكراد. وإذا صحت هذه الفرضية، فإنها تعكس مرة أخرى الارتجالية التي تتسم بها الدبلوماسية الجزائرية في السنوات الأخيرة.

1. تفسير آخر هو أن البوليساريو، كما أشرت في مقال سابق عن الامتيازات التي يتمتع بها في الجزائر، أصبح متغلغلًا في جميع مستويات الدولة الجزائرية، مما يتيح له تنفيذ سياساته الخاصة التي تتعارض مع المصالح الجوهرية للجزائر. وهذا يشير إلى أن الجزائر لم تعد تُدار من قصر المرادية، بل من تندوف.

تحرير من طرف برنارد لوغان
في 21/01/2025 على الساعة 11:00