إفريقيا ـ إيطاليا القارة السمراء تتطلع للشراكات وترفض الإملاءات

قمة إيطاليا ـ إفريقيا

في 04/02/2024 على الساعة 12:00, تحديث بتاريخ 04/02/2024 على الساعة 12:00

يتواصل التفاعل بخصوص قمة « إيطاليا-إفريقيا.. جسر للنمو المشترك »، التي انعقدت بداية الأسبوع الماضي في العاصمة الإيطالية روما، فبعيدا عن التصريحات الدبلوماسية التي نوهت بمبادرة الحكومة الإيطالية، ورئيسة حكومتها، جيورجيا ميلوني تساوت الانتقادات التي وجهت لإيطاليا بين الداخل والخارج، بسبب الصيغة التي جرى بها تقديم العرض الإيطالي. فخلال القمة التي شهدت مشاركة 25 رئيس دولة وحكومة إفريقية من بينها المغرب، إذ مثل رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، الملك محمد السادس، تأكد أن بلدان القارة الأوربية فضلا عن شراكاتها الموحدة في إطار الاتحاد الأوروبي تتطلع إلى بشكل فردي إلى الاستفادة من وضع خاص في تعاملها مع القارة الإفريقية، غير أنها ملزمة بتغيير النظرة لإفريقيا المتحررة.

وتأكد من خلال القمة أن إيطاليا تتطلع إلى تثبيت قدميها في إفريقيا، في إطار التسابق الدولي نحو القارة السمراء، وتحذو حذو الولايات المتحدة الأمريكية، والصين وروسيا واليابان وتركيا، في ظل تراجع دور فرنسا برغبة جادة من إفريقيا.

ويعبر العرض الإيطالي في شكله عن هذه الرغبة، إذ قدمت جيورجيا ميلوني خطوطه العريضة، وكلفته المالية المقدرة بـ6 مليارات أورو.

مع التركيز على عنصرين أساسيين يتمثلان في الطاقة والهجرة، وهو ما يوحي بأن المصالح الخاصة لحكومة ميلوني حاضرة بكل ثقلها، إذ ترغب في الرد على الانتقادات الموجهة لها عبر الحد من الهجرة عبر الاستثمار في بعض البلدان الإفريقية وتوفير فرص العمل في البلدان الإفريقي، فضلا عن استقطاب الكفاءات الإفريقية للعمل في إيطاليا بشروط.

وهذا ما كشفت عنه الصحافة الإيطالية المستقلة، والرغبة في تصريف الأمور خارجيا،

العرض الإيطالي

قالت رئيسة الحكومة الإيطالية خلال افتتاح القمة إن « العالم لا يمكنه استشراف المستقبل من دون توجيه أنظاره صوب إفريقيا »، هذه القارة التي اجتهدت المسؤولة الإيطالية في إبراز محاسنها، وأوضحت أنها تتوفر على إمكانات مهمة، إذ تتسم مؤهلاتها ومواردها الطبيعية والبشرية بالغنى. وعرضت ميلوني رؤية بلدها للتعاون مع القارة الإفريقية مبرزة أنها تعتمد بالأساس على « خطة ماتيي »، وأشارت إلى أنها « تعد أرضية ناجعة وملموسة للتعاون مع بلدان القارة بناء على مبدأ التكافؤ »، مؤكدة أن إيطاليا تتطلع من وراء الخطة إلى « إيجاد الظروف المواتية حتى يتمكن الشباب الأفارقة من استشراف مستقبل أفضل في بلدانهم دون الحاجة إلى الهجرة »، ومن ثم « وضع حد للمتاجرة بالبشر ».

أما وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي الإيطالي، أنطونيو تاجاني، فأوضح أن « إفريقيا تشكل أولوية بالنسبة للسياسة الخارجية الإيطالية، التي تتطلع إلى أن تبني معها شراكة فعالة على أساس مبدأ رابح-رابح ». ولفت الوزير الإيطالي إلى روما « تطمح إلى أن تصبح إفريقيا لاعبا رئيسيا في الأجندة الدولية »، موضحا أن " منطق الدبلوماسية الاقتصادية يجعل من التركيز على القارة الإفريقية أمرا لا محيد عنه ».

الرؤية الإفريقية

لم ينس المسؤولون الأفارقة الدور الذي لعبته إيطاليا في بعض المراحل، ودعمها لبلدان القارة وبشكل خاص في مرحلة انتشار كوفيد19، وأجمع المتدخلون على أهمية الشراكة الإفريقية الإيطالية من منطلقات تراعي مصالح الجانبين.

وظهر في أعقاب القمة أن العالم مطالب ببذل مزيد من الجهد لتغيير النظرة للقارة، ولعل تساؤل موسى فقي رئيس المفوضية الإفريقية، لماذا لم يجر الحديث إلى إفريقيا، إذا كان المشروع يهمها؟ يجهر بالكثير.

ويرى المتتبعون أن العرض الإيطالي ليس شراكة، بل إن الأمر يتعلق بإملاءات، على شكل مشاريع مفروضة، في حين ينبغي أن أفق للشراكة لتحقق غاية الربح المشترك. ويتضح أن التعامل بأسلوب قديم، والتشبث بأسلوب مستعمر سابق يوضح أنه لم يجر بعد استيعاب التحول الذي أصبحت إفريقيا أكثر إيمانا به.

ولعل التحول في بعض المواقف يفضح كثيرا من الادعاءات، إذ جرى الامتناع بكل الأشكال عن دعم القارة الإفريقية في الاستثمار في مجال الطاقة، وتذرعت دول أوروبية بالتوجه نحو الحد من الطاقة الأحفورية غير أنها أعادت فتح الباب في وجه دول إفريقية لتفادي الأزمة التي نتجت عن الحرب الأوكرانية الروسية. ولعل التركيز على الطاقة في العرض الإيطالي المقدم للقارة الإفريقية يترجم رغبتها في لعب دور مهم في المجال بالنسبة لأوروبا.

دور المغرب

برز من خلال التعليق والتحليل أن القارة الإفريقية تغيرت، وتعمل جاهدة من أجل تغيير نظرة العالم لها، ويعيدنا هذا الأمر إلى الخطاب الملكي في افتتاح المنتدى الاقتصادي المغربي الإيفواري في أبيدجان في فبراير 2014. وقال الملك آنذاك « إن إفريقيا قارة كبيرة، بقواها الحية وبمواردها وإمكاناتها. فعليها أن تعتمد على إمكاناتها الذاتية. ذلك أنها لم تعد قارة مستعمرة. لذا، فإفريقيا مطالبة اليوم بأن تضع ثقتها في إفريقيا.

فقارتنا ليست في حاجة للمساعدات، بقدر ما تحتاج لشراكات ذات نفع متبادل. كما أنها تحتاج لمشاريع التنمية البشرية والاجتماعية أكثر من حاجتها لمساعدات إنسانية ».

ويعد ما قاله الملك سلاحا مهما للقارة الإفريقية، ففضلا عن كونه مجددا للوعي الإفريقي للقطع مع النظر إلى بلدان القارة على أساس أنها مازالت مستعمرة وخاضعة.

يتضح أن توجه المغرب نحو عمقه الإفريقي كان استباقا لصيانة مصالح القارة، والدفاع عنها عبر ثقافة الإشراك وليس الإملاء، وهو ما يعبر عنه أنبوب الغاز بين المغرب ونيجيريا، والذي يعتبر بمثابة قطار للتنمية يزرع الأمل والنماء في كل البلدان التي يمر عبرها.

وتستوقفنا أيضا المبادرة الملكية لتسهيل ولوج دول الساحل نحو المحيط الأطلسي، الذي أعلن عنه خلال الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى 48 للمسيرة الخضراء، والذي يعكس اهتمام المغرب بمنطقة الساحل التي تواجه كثيرا من التحديات، وتعبر عن التضامن المغربي مع الإخوة في القارة، ومنحها متنفسا. وهذا الأمر يتعلق بترافع فعلي عن مصالح بلدان القارة، ويستوجب الدفاع المشترك عن مصالحها.

ويمكن للمغرب أن يرفع مشعل القارة في مفاوضاتها مع البلدان الأخرى من خارج القارة، والخلق المشترك للثروة بمنطق رابح ـ رابح، الذي يظل حاضرا في تعامل المغرب مع أشقائه.

وفي إطار التحفيز أكد الملك عام 2014 « على إفريقيا أيضا ألا تظل رهينة لماضيها ولمشاكلها السياسية والاقتصادية والاجتماعية الحالية. بل عليها أن تتطلع لمستقبلها، بكل عزم وتفاؤل، وأن تستثمر في سبيل ذلك كل طاقاتها. وإذا كان القرن الماضي بمثابة قرن الانعتاق من الاستعمار بالنسبة للدول الإفريقية، فإن القرن الحادي والعشرين ينبغي أن يكون قرن انتصار الشعوب على آفات التخلف والفقر والإقصاء ».

تحرير من طرف حسن العطافي
في 04/02/2024 على الساعة 12:00, تحديث بتاريخ 04/02/2024 على الساعة 12:00