يتميز قانون العقوبات الجزائري الجديد، الذي تم تعديله وتتميمه بعدد من المواد المكررة وفقرات أخرى لا نهاية لها، بتطبيق مقتضيات قمعية جديدة لدرجة أن الجرائم التي يعاقب عليها تتسم، في مجملها، بعدم الدقة والوضوح. والأسوأ من ذلك أنه تم إلغاء الضمانات التي كان من المقرر أن يشكلها مجلس الدولة والبرلمان الجزائري المكون من مجلسين، والمكلفين بمراقبة دستورية هذا النص واقتراح التعديلات أو حذف بعض متقضياته، قبل تمريره. لأنه كيف يمكن أن نفسر أن مثل هذا النص القمعي يمكن تبنيه دون مناقشة ديمقراطية، في حين ينتهك دستور البلاد بشكل علني؟
لنحكم على النص من خلال مقتضياته، ونقتصر على أشد العقوبات التي ينص عليها قانون العقوبات الجزائري الجديد. فالمادة 63 مكرر تنص على أنه « يعد مرتكبا لجريمة الخيانة ويعاقب بالسجن المؤبد، كل جزائري يقوم بتسريب معلومات أو وثائق سرية لمصلحة الأمن أو الدفاع الوطني أو الاقتصاد الوطني، عبر وسائل التواصل الاجتماعي لفائدة دولة أجنبية أو أحد عملائها ».
من المعلوم أن المشرع مطالب في القانون الجنائي بأن يحدد المخالفات أو الجرائم المعاقب عليها بعبارات واضحة ودقيقة بما فيه الكفاية، وذلك لمنع أي انتهاك للحريات الفردية التي كفلها الدستور. غير أنه والحالة هاته، فإن المصطلحات المتعلقة بـ « الأمن الوطني »، و »الدفاع الوطني »، والأسوأ من ذلك، « الاقتصاد الوطني » غامضة للغاية، مما يفتح الطريق أمام القمع الأعمى في الجزائر.
ولم يمنع ذلك من العودة إلى نفس هذه الصياغة غير الدقيقة والتعسفية في المادة 63 مكرر 1 التي تنص على أنه « يعاقب بالسجن المؤقت من عشرين 20 إلى 30 سنة كل من يقوم بتسريب معلومات أو وثائق سرية تتعلق بالأمن أو الوطني أو الاقتصاد الوطني عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قصد الإضرار بمصالح الدولة الجزائرية أو باستقرار مؤسساتها ».
الفرق بين هاتين المادتين التوأمتين هو أن جريمة الكشف عن معلومات أو وثائق سرية يعاقب عليها بشكل مختلف، بحسب ما إذا كانت هذه الوثائق مسربة لدولة أجنبية أو للاستهلاك المحلي.
سيف داموقليس
إن ملايين الجزائريين الذين يستخدمون شبكات التواصل الاجتماعي أصبح الآن سيف داموقليس مسلطا على رقابهم. يمكن للنظام الجزائري، في أي وقت، أن يعتبر أن المنشور المتعلق بقطاع اقتصادي يعاقب صاحبه بالسجن لمدة تتراوح بين 20 و30 سنة. إنه أمر سريالي، لكن « في بلد تسير فيه الأمور بالمقلوب »، على حد تعبير مؤلفي « الداء الجزائري »، لا شيء في الجزائر يثير الدهشة. يبقى أن نعرف ما إذا كنا أمام دولة حقا أو أمام مجموعة من العصابات!
لكن ما هو واضح هو أن هذه العقوبات الثقيلة المرتبطة بجرائم غير دقيقة تستهدف بشكل خاص النشطاء المناهضين للنظام السياسي والعسكري، سواء كانوا معارضين سياسيين أو صحفيين أو مؤثرين نشطين على شبكات التواصل الاجتماعي.
كما يمكن أن يتعرض النشطاء على هذه الشبكات لعقوبة سجنية تتراوح من 5 إلى 10 سنوات، مصحوبة بغرامة تصل إلى مليون دينار، في حالة مشاركتهم، في وقت السلم، في « مشروع لإضعاف الروح المعنوية للجيش الوطني الشعبي أو الأسلاك الأمنية الأخرى، ويكون الغرض منه الإضرار بالدفاع أو الأمن الوطنيين وهو يعلم بذلك » (المادة 75). ومرة أخرى، من هو القاضي، أو حتى طبيب نفساني، يستطيع أن يقيس بدقة « إضعاف الروح المعنوية للجيش في وقت السلم »؟
وفي نهاية المطاف، نحن على بعد سنوات ضوئية مما كان متوقعا من قانون العقوبات الجديد، الذي من المفترض أن يكون متقدما، كما تطالب بذلك العديد من هيئات حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة. وقد دعت هذه الأخيرة مؤخرا النظام الجزائري إلى ملاءمة قوانينه مع القانون الدولي، وأدانت باستمرار الطابع القمعي لقانون العقوبات الجزائري.
يوم 26 شتنبر 2023، صرح كليمان فول، المقرر الأممي الخاص المعني بالحق في التجمع السلمي وتكوين الجمعيات، للصحافة في الجزائر العاصمة، في ختام مهمة استمرت 10 أيام هناك، أنه « يجب على الحكومة معالجة مناخ الخوف الناجم عن سلسلة من المتابعات في حق أفراد وجمعيات ونقابات وأحزاب سياسية بموجب قوانين مقيدة، بما في ذلك قانون مكافحة الإرهاب الذي يتعارض مع الالتزامات الدولية للجزائر ».
وطالب المقرر الأممي صراحة بإلغاء المادة 87 مكرر من قانون العقوبات التي تم تعديلها، حسب قوله، في يونيو 2021 بهدف توسيع تعريف مفهوم الإرهاب ليشمل أفعال التي لا علاقة لها بالمعاني التي تغطيها هذه الكلمة التي أصبحت حمالة أوجه.
هذه المطالب كررتها ماري لولور، المقررة الأممية المعنية بحالة المدافعين عن حقوق الإنسان، في بيان صحفي نشرته مطلع دجنبر 2023، عقب زيارة رسمية للجزائر. وأكدت: « من المؤسف أن نلاحظ أن القوانين المعدة لمكافحة الإرهاب تثير الكثير من الرعب بين المدافعين عن حقوق الإنسان في الجزائر، بسبب التعريف الفضفاض والغامض للغاية لما يشكل إرهابا في قانون العقوبات ».
ولم يتم الإبقاء على هذه المادة 87 مكرر التي تعرضت للانتقادات الشديدة فحسب، بل تم توسيعها لتشمل أمورا جديدة، مما يوحي، من بين أمور أخرى، إلى أن معارضة النظام القائم يمكن اعتباره عملا إرهابيا، ويتم إدراج فاعليه على لائحة « القائمة الوطنية للإرهابيين » الجديدة.
مواد حمالة أوجه
وهكذا، فإن المادة 87 مكرر تنص على أنه « يعتبر فعلا إرهابيا... كل عمل غرضه:
- بث الرعب في أوساط السكان وخلق جو انعدام الأمن من خلال الاعتداء المعنوي أو الجسدي على الأشخاص أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم للخطر أو المس بممتلكاتهم.
- ﻋﺮﻗﻠﺔ حركة اﻟﻤﺮور أو ﺣﺮﻳﺔ اﻟﺘﻨﻘﻞ ﻓﻲ اﻟﻄﺮق واﻟﺘﺠﻤﻬﺮ أو اﻻﻋﺘﺼﺎم ﻓﻲ اﻟﺴﺎﺣﺎت اﻟﻌﻤﻮﻣﻴﺔ.
- اﻻﻋﺘﺪاء ﻋﻠﻰ رﻣﻮز اﻷﻣﺔ واﻟﺠﻤﻬﻮرﻳﺔ وﻧﺒﺶ أو ﺗﺪﻧﻴﺲ اﻟﻘﺒﻮر.
- اﻻﻋﺘﺪاء ﻋﻠﻰ وﺳﺎﺋﻞ اﻟﻤﻮاﺻﻼت واﻟﻨﻘﻞ واﻟﻤﻠﻜﻴﺎت اﻟﻌﻤﻮﻣﻴﺔ واﻟﺨﺎﺻﺔ واﻻﺳﺘﺤﻮاذ ﻋﻠﻴﻬﺎ أو اﺣﺘﻼﻟﻬﺎ دون ﻣﺴﻮغ ﻗﺎﻧﻮﻧﻲ...قريبا، حتى المضربون في وسائل النقل العمومي سيعتبرون إرهابيين في الجزائر!
ويبدو أن توقيت دخول قانون العقوبات الجديد حيز التنفيذ ليس بريئا. وهكذا، فإن هذا النص المقيد للحريات يأتي قبل أربعة أشهر بالضبط من الانتخابات الرئاسية المبكرة التي ستجرى يوم 7 شتنبر 2024. وسيتعين على المرشحين الرئاسيين، الذين يبدو أنهم لا يتسابقون من أجل الترشح، استخدام المواد الانتخابية من أجل عرض برامجهم، وانتقاد السياسات الحالية والسابقة...
ولكن هل يحق لهم ذلك، حيث أن المادة 96 من قانون العقوبات الجديد تنص على أنه « يعاقب بالحبس من سنة إلى 5 سنوات وبغرامة من 100 ألف إلى 500 ألف دينار من يوزع أو يضع للبيع أو يعرض لأنظار الجمهور، أو يحوز بقصد التوزيع أو البيع أو العرض بغرض الدعاية، منشورات أو نشرات أو أوراقا أو أشرطة فيديو أو تسجيلات صوتية من شأنها الإضرار بالمصلحة الوطنية »؟
يتعين على مرشحي المعارضة، زبيدة عسول وزميلتها لويزة حنون، أن يأخذا هذه المادة على محمل الجد قبل الدخول في سباق قد يؤدي بهما إلى السجن.