نادرا ما نرى الديوان الملكي يرد بحزم على وقائع تتعلق بحزب أو زعيم سياسي مغربي. لكن الرسالة على الأقل لها ميزة الوضوح وهي تهم الجميع: السياسة الخارجية للمملكة تقع ضمن صلاحيات الملك ولا يمكن بالتالي أن تخضع لأي استغلال سياسوي.
في بلاغه الصحفي الصادر يوم الاثنين 13 مارس 2023، يرد القصر الملكي على بيان الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية الصادر يوم 4 مارس الجاري، والذي يعبر فيه هذا الأخير عن موقفه مما يتعلق بعلاقات المغرب مع إسرائيل وموقف المملكة من القضية الفلسطينية.
بلاغ الديوان الملكي أزال الغموض الذي تضمنه بيان حزب العدالة والتنمية. موقف المغرب المبدئي المؤيد للقضية الفلسطينية ثابت ولا رجعة فيه. وهي من أولويات السياسة الخارجية للمملكة، والتي يضعها الملك، أمير المؤمنين ورئيس لجنة القدس، في نفس مرتبة الوحدة الترابية للمملكة. والوقائع تؤكد هذه الحقيقة.
إن الادعاء بأن إعادة العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وإسرائيل تم على حساب هذه القضية العادلة، هو محاولة للاستغلال السياسوي والمزايدة في أحد الموضوعات الأساسية للسياسة الخارجية. وهي السياسة التي تقع -دستوريا- تقع ضمن المجال المحفوظ للملك. حزب العدالة والتنمية، المتجذر في المشهد السياسي الوطني وقاد الائتلاف الحكومي لسنوات، يعرف ذلك جيدا. هذه السابقة هي مؤسفة للغاية. إن شطحاته الأخيرة، التي تخلط عن عمد بين الحقائق الحالية والمواقف المبدئية والعمل الدبلوماسي تهدف لتحقيق هدف وحيد هو خدمة « أطروحة » أيديولوجية تترك المرء في حيرة من أمره وتساءل عن الدوافع الخفية التي تحركها.
مواقف متقلبة
في الواقع، لم يحدث شيء جديد أو مقلق يبرر مثل هذا النقد الذي لا أساس له من الصحة للدبلوماسية المغربية، التي يجسدها الملك. إن الخرجة الإعلامية، الرعناء في محتواها والغامضة في شكلها، تسلط الضوء على السياقات المفككة وتتبنى عموميات وخطابات يروج لها خصوم المملكة.
وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن الأمانة العامة لحزب المصباح تستهدف على وجه التحديد تصريحات وزير الخارجية، ناصر بوريطة، داخل هيئات الاتحاد الأفريقي، مع تجاهل أن الدبلوماسية المغربية تخوض معركة شرسة من أجل تمكين وتحرير هذه المنظمة الإفريقية من وصاية الجزائر وجنوب إفريقيا.
وفي أحسن الأحوال، هذا ما يدل على أن هناك نقص صارخ في التمييز. وفي أسوأ الأحوال، هناك شك حول محاولة نسف الجهود الدبلوماسية للبلاد. وإلا كيف يمكن تفسير الصمت المتواطئ لحزب العدالة والتنمية عندما يقرر « مثاله » التركي الاصطفاف مع إسرائيل؟ بين المزايدة التي ارتكبها حزب العدالة والتنمية ضد الدبلوماسية المغربية والصمت المطبق حيال التقلبات الأخيرة لتركيا أردوغان و « حزب العدالة والتنمية التركي »، والتي أعادت علاقاتها بالكامل مع إسرائيل، هناك هوة سحيقة. هل الأمر يتعلق بهفوة حزب متداعي أو بمواقف متقلبة حسب الحالات؟ لنتجاوز الأمر.
الأمر المستهجن أكثر من عمق القضية، هو أن التعليق السياسي على ملف الشؤون الخارجية تم بأسلوب شعبوي. بإمكان حزب العدالة والتنمية تفضيل القنوات المؤسسية والديمقراطية، ولا سيما البرلمان، للتعبير عن موقفه والدفاع عن وجهة نظره ومساءلة الحكومة. ووزارة الخارجية لم تتهرب قط من مسؤوليتها في تقديم الحساب عن أفعالها وتنوير ممثلي الأمة. هذا الأمر يعرفه جيدا حزب العدالة والتنمية، لكنه قرر أن يفعل غير ذلك باختيار « الطريقة العامة ».
مزايدات سياسوية
يعرف قادة الحزب ذي المرجعية الإسلامية أيضا أن استئناف العلاقات بين المغرب وإسرائيل كان قرار دولة تم في سياق خاص بالمغرب (اعتراف الرئيس ترامب بمغربية الصحراء).
علاوة على ذلك، كان استئناف العلاقات مع الدولة اليهودية، قد سبقته محادثات مع الجانب الفلسطيني، وسبقه أيضا إخبار الأحزاب السياسية والقوى الحية في الدولة. في كل هذا، كان حزب العدالة والتنمية في المقدمة.
في شخص رئيس الحكومة آنذاك والأمين العام السابق للحزب، سعد الدين العثماني، الذي هو أحد الموقعين على الإعلان الثلاثي لعام 2020 بين المغرب والولايات المتحدة وإسرائيل. حتى الأمين العام الحالي لحزب العدالة والتنمية كان على اطلاع ذلك، وأعرب عن دعمه الكامل للإعلان.
بعد ذلك بعامين، وبدلا من تحمل مسؤولياته، يلعب حزب العدالة والتنمية، على العكس من ذلك، ورقة الغموض حول موضوع حساس اختار المغرب الوضوح فيه. وهذا غير مقبول. يكشف البيان الصحفي الصادر عن الديوان الملكي مدى النفاق أو الانصياع للأجندات الحزبية أو المزايدات السياسوية. الهزيمة الانتخابية النكراء لحزب العدالة والتنمية خلال في شتنبر 2021 تفسر ذلك.
إن رسالة الديوان الملكي لا لبس فيها: « العلاقات الدولية للمملكة لا يمكن أن تكون موضوعا لمزايدات من قبل أي أحد ولأي اعتبار كيفما كان ». السابقة « خطيرة وغير مقبولة ». بعبارة أخرى، يجب على حزب العدالة والتنمية تجنب التلاعب بقضايا مهمة وجدية مثل الدبلوماسية. السياسة الخارجية، لا سيما في مثل هذا السياق الدولي المعقد وفي مواجهة العداء الهستيري للنظام الجزائري، هي مجال جدي، يجب التعامل معه بصرامة ويقظة وواجب التحفظ.
من خلال قراءة متأنية لرسالة الديوان الملكي، وبعيدا عن الانزلاق الذي كان سببا في إصداره، فإن الجميع -من الطبقة السياسية أو غير ذلك- مدعو للامتثال له. لأن الأمر يتعلق بالمصلحة الوطنية التي لها الألوية على كل شيء آخر.