حوار: بنطلحة يُلقّن أحمد عطاف أُسس الدبلوماسية الدولية

محمد بنطلحة الدكالي، مدير المركز الوطني للدراسات والأبحاث حول الصحراء

في 04/08/2024 على الساعة 13:13

حوارعقب الاعتراف السيادي الفرنسي بمغربية الصحراء، سارع أحمد عطاف، وزير الخارجية الجزائري، إلى القول، خلال ندوة صحفية، إن بلاده «لن تقف مكتوفة الأيدي أمام هذا التطور»، مضيفا أن «هناك خطوات أخرى قد تتخذها الجزائر للتعبير عن رفضها القاطع للموقف الفرنسي».

وفي هذا الصدد، ولتسليط الضوء على هذا الموضوع، أجرى Le360 حوارا مع الدكتور محمد بنطلحة الدكالي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض ومدير المركز الوطني للدراسات والأبحاث حول الصحراء.

في نظركم، كيف تقيّمون طبيعة هذا القرار الجزائري؟ وهل يستند على أسس وميكانيزمات صناعة القرار في بعده الشامل؟

تخضع عملية صنع القرار السياسي الخارجي لسلسلة من الإجراءات والتفاعلات بين الأنساق السياسية، وهي تتضمن تحديد الأهداف والمصالح القومية، واتخاذ القرارات اللازمة لوضعها موضع التطبيق من خلال أدوات تنفيذ السياسة الخارجية.

ومن أشهر التعريفات في هذا المجال، تعريف ريتشارد سنايدر (Richard Snyder)، حيث يعرف هذه العملية بكونها اختيار بديل من البدائل يخضع لتوجيه فريق العمل والمستشارين الذين يوضحون مآل كل بديل، وما يترتب عنه.

وقد تختلف عملية صناعة القرار من دولة لأخرى حسب تركيبة النظام السياسي، إلا أنه رغم هذا الاختلاف فإن هناك مبادئ مشتركة في صنع السياسة الخارجية، كما أنها لا تكون أحادية الجانب وتوقيفية النظر، أو تغرف من جيوسياسة ميتافيزيقية أدت بكثير من الأنظمة السياسية إلى الهلاك.

وقد اختلفت آراء الباحثين في تقسيم قرارات السياسة الخارجية، حيث نجد مثلا أن ويليام كوبلن (William Caplin) قد قسمها إلى ثلاثة أقسام، القرارات العامة وهي بعيدة المدى، والقرارات الإدارية وهي محدودة الأجل، وقرارات الأزمة وهي تنجم عادة عن عمليات التفاعل بين الدول.

ونجد أن عملية صنع القرار، تستشرف المستقبل، حيث تهدف إلى التمكن من السيطرة عليه، كما أنها تهدف إلى مساعدة صانعي القرار على اتخاذ قرارات وسياسات رشيدة من أجل استباق الأزمات ومنع حدوثها.

نتحدث هنا عن الاستشراف الاستراتيجي والذي يمثل استباقا يستعد للفعل «Preactive» ويستحدث الفعل «Proactive» وينير العمل الحاضر بناء على ضوء المستقبلات الممكنة والمأمولة، وفق الخيارات الاستراتيجية.

سياق هذا الكلام، التصريح المستفز واللامسؤول لوزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، مؤخرا، خلال ندوة صحفية حيث بدأ في التهديد والوعيد دون أن يقدر تبعات هلوساته.

إن هذا التصريح ينم عن نرجسية مفرطة بالذات، وحقد مرضي، ولا يعبر عن بعد نظر لدلالات مثل هذا الكلام والنتائج التي يمكن أن تترتب عنه بل يتمادى في زيادة التوتر والتصعيد، ويظهر نوايا حكام الجزائر لإطالة زمن النزاع .

إن مستقبل الشعوب متعدد وغير محدد، وهو مفتوح على تنوع كبير من المستقبلات الممكنة، وبالتالي لا يمكننا الركون إلى حتمية «العقوبات» في التخطيط لمستقبل الشعوب، مع العلم أن مثل هذه الأخطاء في التحليل والتوقع، يجب أن نتعامل معها بحذر، رغم كونها توقعات عشوائية، لأنها تعكس سلوكيات حكام الجزائر التي تغرف من يقينيات وهمية.

وهل بإمكان الجزائر اتخاذ عقوبات اقتصادية في حق فرنسا؟

إن الجزائر وقبل أن تفكر في اتخاذ أي قرار أرعن ضد هذا الموقف السيادي الفرنسي، عليها أن تستحضر أولا موقف الاتحاد الأوروبي الذي سيكون ملزما للتدخل دفاعا عن أحد أعضائه، ولنا في إسبانيا خير مثال على ذلك، حين أعلنت عن موقفها المؤيد لمقترح الحكم الذاتي المغربي، حيث يعتبر الاتحاد الأوروبي أن القيود المفروضة على أحد أعضائه انتهاك لالتزامات الجزائر بموجب اتفاقية الشراكة بين الطرفين، علما أنه يعتبر أكبر شريك للجزائر لأنه يمثل حوالي 50,6 من المعاملات التجارية الدولية لهذا البلد في العام 2023.

لقد سبق وأعلنت الجزائر عن التعليق الفوري لمعاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون مع إسبانيا الموقعة في 8 أكتوبر 2002، كما أصدرت جمعية البنوك الجزائرية تعليمات للمؤسسات المالية تقضي بـ«تجميد عمليات التصدير والاستيراد من وإلى إسبانيا ووقف أي عملية توطين بنكي لإجراء عمليات تجارية مع مدريد».

لقد هللت الأبواق الإعلامية لمثل هكذا قرارات وانبرى أشباه المحللين يشيدون بحصافة وجرأة وسداد هذا القرار...! لكن العقوبات الاقتصادية كان لها تأثير مزدوج، مما جعل الجزائر تعاني تبعات اقتصادية، ناهيك عن نقص حاد في الكثير من المواد التي كانت تستوردها من هذا البلد الإيبيري، وبالتالي إن التدابير الجزائرية أضرت بالمستهلكين الجزائريين بسبب تقلص خيارات المنتجات المتاحة للشراء، وبعد ذلك تراجعت الجزائر عن أغلب قراراتها وعاد سفيرها إلى مدريد يجر أذيال الخيبة خاسئا وهو حسير.

إن احتمالية وقف الجزائر صادراتها لفرنسا يبقى ضئيلا، وأقصى التقديرات تبقى في استدعاء السفير الجزائري للتشاور مع ضرورة التوضيح أن الغاز الجزائري لا يمثل سوى 8% من الاستهلاك الفرنسي، بينما لا يتجاوز النفط نسبة 9%، كما أن الاستثمارات الفرنسية المباشرة في الجزائر تحتل المركز الثالث بعد الولايات المتحدة وإيطاليا.

وإذا كان هناك أي رد فعل انتقامي يعقب هذا الاعتراف، فستكون فرنسا السباقة لفعل ذلك من خلال إبطاء منح التأشيرات -التي تُعتبر باهظة للجزائر مقارنة بالمغرب أو تونس– أو فرض ضريبة على التحويلات اليومية التي تقوم بها الجالية الجزائرية والتي تسمح بتضخم الميزانيات الجزائرية.

تحرير من طرف حفيظ الصادق
في 04/08/2024 على الساعة 13:13