أطلقت وزارة خارجية الدولة الجارة العنان لخياله، ونددت « بأشد العبارات وأقواها عملية السلب كاملة الأركان »، وبعدم شرعيتها وتعارضها مع « الالتزامات التي تتحملها أي دولة عضو في المجتمع الدولي »، متعهدة بأن الجزائر « سترد على هذه الاستفزازات بكل الوسائل التي تراها مناسبة ».
أصبحنا الآن نعرف دوافع الغضب الذي عبرت عنه وزارة الخارجية الجزائرية ضد المغرب. وذلك بحجة مباشرة سلطات المملكة مسطرة نزع ملكية عقارات تابعة للدولة الجارة بالرباط، والتي يبلغ عددها ثلاثة. هذه المسطرة الإدارية البحتة هي في نهاية المطاف مسطرة عادية. لكن في البيان الصحفي الذي صدر يوم الاثنين 18 مارس، نددت الدبلوماسية الجزائرية بما أسمته عملية « سلب عقارات (...) مخالفة للقانون الدولي » وبـ« تصعيد » يتطلب « ردا ». يتعلق الأمر بالنسبة لأحمد عطاف، بـ »مرحلة تصعيدية مغربية جديدة في سلوكها تجاه الجزائر ». وباحتداد أدانت وزارة الخارجية الجزائرية « بأشد العبارات وأقواها عملية السلب كاملة الأركان » وبعدم شرعيتها وتعارضها مع « الالتزامات التي تتحملها أي دولة عضو في المجتمع الدولي ». وعليه، فإن الجزائر « سترد على هذه الاستفزازات بكل الوسائل التي تراها مناسبة ». بما في ذلك في الأمم المتحدة!
إن الضجة المفتعلة والصرخات الهستيرية للنظام تفضح الأهداف الحقيقية التي دفعته إلى إصدار هذا البيان الصحفي. وتكمن هذه الأهداف في الواقع في إخفاء سلسلة الإخفاقات الدبلوماسية لـ »الجزائر الجديدة »، وأزماتها الداخلية المتعددة، وقبل كل شيء، عجز النظام عن البدء في التهييء للانتخابات الرئاسية المفترض أن تنظم في دجنبر المقبل. كشف نوايا النظام الجزائري جاء على لسان مصدر مطلع: « إن رغبة السلطات الجزائرية واضحة، وهي اختلاق صراع جديد مع المغرب من خلال إصدار بيان لا يتوافق تماما مع طبيعة المشكلة. في الأوقات العادية، وبمعرفة النيف الجزائري الشهير، استغلت سلطات هذا البلد قضية هذه العقارات من خلال التأكيد على أن الجزائر تستحق أفضل بكثير من ذلك.
إذا كانت هذه الدولة حريصة جدا على جعل هذا الأمر فضيحة، فهذا يتعلق بالسياق السياسي. فنحن على بعد ثمانية أشهر من الانتخابات الرئاسية، ولا يعرف لحد أي مرشح لهذه الانتخابات. ولا نعرف ما إذا كان الرئيس الحالي عبد المجيد تبون سيحصل على الضوء الأخضر من النظام للترشح مرة أخرى ». وفي ضوء هذه الانتخابات الرئاسية غير المؤكدة، لا بد من وضع رد الفعل الهستيري للنظام الجزائري في سياقه الداخلي، ألا وهو خلق جبهة داخلية حول عدو خارجي وهمي.
المغرب لن ينجر إلى لعبة الجزائر
وينضاف إلى فقدان السيطرة التامة على الشؤون الداخلية، أزمة غير مسبوقة مع دول الساحل التي تعتبرها الجزائر مجالها الحيوي. وأوضح مصدرنا قائلا: « وحتى فيما يخص القضية الفلسطينية والوضع في غزة، فإن الجزائر، التي تجعل منها قضيتها، وجدت نفسها عاجزة عن فعل أي شيء. بل إن المغرب، تحت قيادة الملك محمد السادس، هو الذي أخذ زمام المبادرة بإرسال مساعدات عبر البر إلى السكان مؤخرا، وهو أمر غير مسبوق. كما تسبب هذا العمل في إحراج كبير للنظام الجزائري، خاصة في ضوء رد فعل الفلسطينيين أنفسهم والمجتمع الدولي. كل هذا خلق نوعا من العصبية واللجوء إلى الخيار السهل: جعل من كراهية المغرب عنصرا للتعبئة لصرف الأنظار عن الأزمات الداخلية والعزلة على المستوى الدولي. إن المغرب لن يقع أبدا في الفخ ولن ينجر إلى لعبة الجزائر ».
مسطرة نزع الملكية كانت موضوع تبادل مع السلطات الجزائرية منذ عام 2022
جوهر القضية مختلف تماما. وخلافا للادعاءات الجزائرية التي تزعم أن ثلاثة عقارات تخضع لمسطرة نزع الملكية، يؤكد مصدرنا أن الأمر ليس كذلك. فمقرات السفارة وإقامة السفير الجزائري السابق بالرباط غير معنية بتاتا بهذه المسطرة. وخلافا لما تدعيه السلطات الجزائرية، فإن هذه العقارات –والتي منحت السلطات المغربية أرضها مجانا– لم تخضع لأي عملية « سلب ». تظل السفارة الكائنة بشارع محمد السادس بالرباط، وكذلك مقر إقامة السفير بالقرب من مسجد للا سكينة، وكذا القنصليتين بالدار البيضاء ووجدة، تحظى بالاحترام والحماية من قبل الدولة المغربية. وذلك حتى في ظل غياب الامتيازات والحصانة إثر قطع الجزائر للعلاقات الدبلوماسية من جانب واحد. وأشار مصدرنا قائلا: « عندما تنقطع العلاقات الدبلوماسية، لا تعود هناك سفارة. لكن المغرب يواصل احترام العادات والتقاليد الدبلوماسية من خلال حماية هذه المباني ».
والواقع أن مبنى واحدا فقط من بين العقارات الثلاثة الخاضعة لإجراءات مسطرة نزع الملكية يمكن اعتباره تابعا للسفارة الجزائرية. كما أن هذه الإجراءات كانت تبادل بين السلطات المغربية والجزائرية منذ يناير 2022. وهو ما حاولت وزارة النظام الجزائري، التي اعتادت على نفث الأكاذيب، عدم ذكره في بيانها الهستيري.
يتعلق الأمر بمبنى فارغ ملاصق لمقر وزارة الشؤون الخارجية، الذي يجري حاليا توسيعها. وقد شملت عملية التوسيع هذه، خلال السنوات القليلة الماضية، العديد من المباني الدبلوماسية، أبرزها سفارات ساحل العاج والنمسا وسويسرا... والولايات المتحدة.
وباتفاق متبادل مع الدول الأربع المذكورة أعلاه، قامت المملكة المغربية بشراء المقرات التي كانت توجد فيها سفاراتها بالقرب من وزارة الشؤون الخارجية. وقد بدأت في اتباع نفس المسطرة مع السفارة الدنماركية. وبنفس الروح تم فتح الحوار مع الجزائر. فضلا عن أن السلطات المغربية ترغب في نقل مقرات وملحقات السفارات من حي حسان.
السلطات الجزائرية أبلغت بالإجراء ووافقت عليه
يتوفر Le360 على نسخ من الوثائق الرسمية التي تؤكد أن السلطات الجزائرية تم إشراكها، منذ أكثر من عامين، بشكل وثيق وكانت على اطلاع وفق القنوات الرسمية بجميع المراحل، وبشفافية تامة. وابتداء من يناير 2022، أبلغت الوزارة، رسميا وفي عدة مناسبات، السلطات الجزائرية برغبة الدولة المغربية في اقتناء المقر المذكور بطريقة حبية.
وتم استقبال القنصل العام للجزائر بالدار البيضاء في الوزارة بشأن هذا الموضوع ما لا يقل عن أربع مرات. بالإضافة إلى ذلك، تم بعث ثمانية مراسلات رسمية إلى السلطات الجزائرية، التي ردت بما لا يقل عن خمس مراسلات. بل إن السلطات الجزائرية، في اثنين من مراسلاتها، ردت على العرض المغربي، بالإشارة إلى أنها بصدد « تقييم العقارات المعنية » وأنها « ستعلن استنتاجاتها بمجرد الانتهاء منها »، قبل أن تضيف أن « إخلاء المقرات ونقل محتوياتها سيتم وفقا للممارسات الدبلوماسية بمجرد الانتهاء من عملية البيع ».
وتجدر الإشارة إلى أن المبنى المذكور، بسبب انقطاع العلاقات الدبلوماسية، أصبح الآن جزءا من الملكية الخاصة للدولة الجزائرية وأن القواعد الخاصة بالسفارات لا تنطبق عليه.
مقر إقامة السفير المغربي بالجزائر...تعرض للمصادرة
والغريب في الأمر هو أن السلطات الجزائرية كانت أول من بادر إلى إجراءات مصادرة الممتلكات المغربية في الجزائر العاصمة. ودون أن يعترض المغرب. وتم تقديمه كنوع من المعاملة بالمثل فيما يتعلق بالقرار المغربي. وفي مراسلة، وهي الأخرى رسمية للغاية، صادرة عن القنصلية العامة للجزائر بالدار البيضاء، أبلغت السلطات الجزائرية في عام 2022 أنها « قررت الشروع في إجراء نزع ملكية بعض الممتلكات في المنطقة القريبة من قصر الشعب، لأسباب تتعلق المنفعة العامة، وبالتالي استعادة ملكية مقر إقامة سفير البعثة المغربية ». ولذلك، لا ينبغي أن نفاجأ بأن البلد الذي بدأ إجراء لمصادرة المباني الملحقة بالسفارة المغربية في الجزائر العاصمة يصرخ الآن عندما يتظاهر بأنه يعلم أن أحد مبانيه الفارغة يتعرض لعملية مماثلة. « في البلد الذي يسير بالمقلوب »، وفق عبارة مؤلفي « الداء الجزائري »، لا شيء يثير الاستغراب.
المغرب لا ينساق وراء الاستفزاز
وحتى لو قطعت العلاقات الدبلوماسية بقرار الجزائر الأحادي يوم 24 غشت 2021، فإن المغرب يتحمل مسؤولياته ويلتزم بواجباته الناشئة عن القواعد والأعراف الدبلوماسية. وبالتالي، فإن ممتلكات الدولة الجزائرية، التي لم تعد تستضيف مقار دبلوماسية أو قنصلية، ولم تعد تتمتع بالامتيازات والحصانات المنصوص عليها في القانون الدولي، تظل محترمة ومحمية بموجب القانون المغربي، في ظل الشروط العامة المطبقة على قانون الملكية في المغرب.
ولم ينسق المغرب يوما وراء منطق التصعيد أو الاستفزاز. وقد عمل دائما على الحفاظ على علاقة حسن الجوار بين البلدين والأخوة بين الشعبين. ولا يعمد إلى المزايدة، ويترك الجزائر تعمل لحل مشاكلها الداخلية ونكساتها الدبلوماسية. أما فيما يتعلق بإجراءات نزع ملكية المبنى، والتي كانت موضوع عدة مراسلات بين السلطات المغربية والجزائرية، فهي حاليا متوقفة.