برنارد لوغان يكتب: ليوطي.. المغرب والجزائر

Bernard Lugan.

المؤرخ الفرنسي برنارد لوغان

في 14/10/2025 على الساعة 11:00

مقال رأيطوال السنوات الثلاث عشرة التي قضاها في المغرب، ظلّ لدى ليوطي ثابت سياسي واحد يتمثل في الحفاظ على روح المغرب، من خلال احترام شخص السلطان وصون هوية الشعب المغربي. ويُطرح السؤال هنا: ماذا كان سيؤول إليه مصير المغرب لو أن فرنسا عيّنت، بدل الرجل الذي كان يصف نفسه بـ«الخادم الأول للسلطان»، موظفا مدنيا تخرّج من المدرسة الإدارية الجزائرية؟

منذ وصوله إلى المغرب عام 1912، وضع هوبير ليوطي الأساس لسياسة واضحة تقوم على مبدأ واحد: « عدم جزأرة المغرب ». (أي عدم إخضاع المغرب لنفس النظام الإداري والسياسي الذي طُبّق في الجزائر). فالرجل الذي تولّى مناصب قيادية عدة في الجزائر، كان قد أدرك هناك حجم الأضرار التي خلّفتها إدارة جمهورية مركزية على النمط اليعقوبي، قائمة على التسيير المباشر من قبل فرنسا. لذلك، وبصفته مقيما عاما لفرنسا في المغرب، رفض أن تُدار المملكة على الطريقة الجزائرية. وقد عبّر عن هذا التوجه منذ الأيام الأولى لتوليه مهامه في البلاد، كما توثقه رسائله ومذكراته.

وفي هذا السياق، لا يمكن إلا أن نوصي القارئ المهتم بالرجوع إلى المجلدات الخمسة من مؤلفه «النصوص والرسائل» التي جمعها ابن أخيه بيير ليوطي، إذ تشكّل مرجعاً فريداً لتاريخ المغرب ما بين 1912 و1925. فهي تتضمن مراسلاته، ومسودات برقياته المرسلة إلى باريس، وتوجيهاته إلى الضباط والمراقبين ورؤساء المناطق، فضلاً عن نقاشاته – التي كانت أحياناً حادة – مع مديري شؤون الحرب والخارجية الفرنسيين.

ويُظهر المجلد الأول، الذي يغطي سنتي 1912 و1913، بوضوح رغبة ليوطي في الحفاظ على الهوية المغربية، وسنستعرض ثلاثة أمثلة تعبّر عن ذلك.

«وهكذا، ظلّ ليوطي طيلة ثلاثة عشر عاما في المغرب متمسكا بمبدأ واحد: الحفاظ على روح المغرب وهويته من خلال احترام سلطان البلاد وشعبه»

—  برنارد لوغان

المثال الأول: رسالة من فاس بتاريخ أبريل 1913 موجهة إلى وزير الحرب الفرنسي في باريس، بخصوص إنشاء مدرسة لتدريب ضباط الاستخبارات في الجزائر. كتب فيها ليوطي:

« قرأت هذا الخبر في إحدى الصحف دون أن أتلقى أي إشعار رسمي به، لكن الوزير ميليران كان قد أثار الموضوع العام الماضي. أؤكد رفضي التام لأن يُطبَّق هذا المشروع – المفيد ربما لضباط الشؤون الأهلية في الجزائر – على ضباط الاستخبارات في المغرب. أرى من الضروري أن يتكوّن هؤلاء الضباط هنا في المغرب. فقد لاحظت منذ عام أن أخطر ما يمكن أن يحدث هو جلب ضباط من الجزائر، لأنهم يحملون معهم تقاليد الإدارة المباشرة والشكليات البيروقراطية والنزعة إلى تماثل المغاربة مع الأهالي في مستعمراتنا الأخرى. وهي تقاليد خطيرة إلى حد أنني أفضّل تكوين ضباطي من صفوف الجيش بالمغرب مباشرة (...). فباستثناء اللغة – وحتى هنا يغلب الأمازيغية والشلوح أكثر من العربية – والدين، لا يوجد أي قاسم مشترك بين المغرب والجزائر. وعلى الضباط القادمين من الجزائر أن ينسوا كل ما تعلموه ويبدؤوا من جديد، وهو أمر صعب، بل أحيانا مستحيل« .

المثال الثاني: يتعلق باختيار عاصمة للحماية الفرنسية. ففي تقرير مؤرخ بـ19 يونيو 1913 من الرباط، يعارض ليوطي قرارا صادرا من باريس – بتأثير من اللوبيات الجزائرية – يقضي بنقل العاصمة من الرباط إلى فاس بهدف تعزيز النفوذ الجزائري في إدارة الحماية بالمغرب. كتب يقول:

«أرى أن نقل العاصمة الإدارية من الرباط إلى فاس أمر غير مقبول من أي وجه، ولا يصمد أمام الفحص الميداني للظروف العملية (...). أطلب من الحكومة أن تقرر في أقرب وقت تثبيت مقر الإدارة العامة للحماية في الرباط، مع الإقرار بالعواصم السياسية الثلاث التقليدية. وينبغي أن تكون العواصم الجديدة قريبة من البحر (...). من الوهم الاعتقاد أن فاس يمكن أن تتحول إلى كبرى المدن الاقتصادية بفضل الجزائر».

المثال الثالث: ذو طابع عمراني، إذ رفض ليوطي أيضا النموذج المعماري الجزائري. ففي مذكرة بتاريخ 2 يونيو 1912 كتب من فاس:

«ألفت انتباه مصلحة الهندسة إلى ضرورة عدم التسرع في تشييد مبانٍ دائمة. يجب قبل كل شيء تفادي الوقوع في أسر تلك المنشآت كما حدث في الجزائر. ومع انطلاق تنظيم الحماية تحت قيادتي، أصرّ على ألا أتحمل مسؤولية تكرار هذا النهج الكارثي الذي أثقل كاهل الجزائر. لذا، على مدير الهندسة أن يعرض مسبقا كل مشروع بناء دائم على المقيم العام القائد الأعلى للموافقة».

وهكذا، ظلّ ليوطي طيلة ثلاثة عشر عاما في المغرب متمسكا بمبدأ واحد: الحفاظ على روح المغرب وهويته من خلال احترام سلطان البلاد وشعبه. ويبقى السؤال: كيف كان سيكون مصير المغرب لو أن فرنسا عيّنت مكانه موظفا مدنيا تخرّج في مدارس الإدارة الجزائرية؟لقد تحقق ذلك جزئيا بعد رحيله، حين التحق عدد من الإداريين الذين تخرّجوا في الجزائر بأجهزة الحماية الفرنسية في المغرب، ليبدأ بذلك فصل جديد مختلف تماما عن روح السياسة التي أرساها ليوطي.

تحرير من طرف برنارد لوغان
في 14/10/2025 على الساعة 11:00