هناك جزائر الطغمة العسكرية، التي تكن كراهية مرضية لكل ما هو مغربي. والأمثلة كثيرة على ذلك. بدءً من إنشاء وتمويل وإيواء وتسليح ودعم على المستوى الدولي لميليشيا مسلحة، تدعى جبهة البوليساريو. هذه الأخيرة تعيش على حساب دافعي الضرائب الجزائريين ومن خلال الاختلاس المخزي للمساعدات الدولية المخصصة للسكان المحتجزين، والذين يتم رفض حتى إحصاء عددهم. ولكن إذا كان هناك خصم أكثر نشاطا وراء الكواليس، ولديه قدرة أكثر على إلحاق الأذى، عندما يتعلق الأمر بالقضايا المقدسة، وعلى رأسها الصحراء ومصالح المغرب، فهو جنوب إفريقيا. تعمد إلى ممارسة الضغط واستقبال زعماء الجبهة الانفصالية وسط ضجة كبيرة، والإشارة الممهنجة لفزاعة «حقوق الشعوب»، و«النضال ضد الاستعمار»، واعتبار الأقاليم الجنوبية «آخر الأراضي المحتلة في إفريقيا» في كافة المحافل القارية والدولية… إن العداء الجنوب إفريقي لمغربية الصحراء شرس وحازم وفعال في بعض الأحيان.
إقرأ أيضا : جنوب إفريقيا: عندما تتعارض الوقائع مع خطاب النضال من أجل "استقلال الشعب الصحراوي"
وتشترك جنوب إفريقيا مع الجزائر في أمر هو أنهما بلدان يدعيان أنهما يدافعان عن أفكار العالم الثالث من عصر آخر، عصر الحرب الباردة، وهو إرث الرصيد الإيديولوجي الذي لم يبق منه سوى عدد قليل من الشعارات المستخدمة كبلسم لتهدئة الغضب الداخلي وتلميع صورتهما على المستوى الدولي. كل هذا يقترن بدين غير معترف به للمغرب، وهو ما يوفر الأساس لمنافسة صريحة. وأوضح مصدر مطلع على خبايا الاتحاد الإفريقي، قائلا: «إن الجزائر، من أجل استقلالها، وجنوب إفريقيا، من أجل تحررها من الفصل العنصري الذي كانت ترزح تحته، مدينتان للمغرب. لقد تم استبدال امتنان الأمس بشكل من أشكال رفض التبعية، وهو أمر غير مبرر، ومعارضة أملتها حقيقة أن المغرب يصنف على أنه موال للغرب، في حين أن الأطراف المتحكمة في السلطة في الجزائر كما في بريتوريا تعتبر، من الناحية النظرية، في المعسكر المناهض للغرب». وأضاف أنه إذا اكتفينا فقط بمعيار النضال من أجل التحرر، الذي يعزز علاقات جنوب إفريقيا مع الجارة الشرقية، ينبغي لبريتوريا أن تجعل المغرب حليفها الرئيسي في القارة.
«التمويل والأسلحة والتدريب... «لم يكن مانديلا يعود من المغرب خالي الوفاض »
— يقول مصدرنا
Nelson Mandela lors d'un dîner offert par le roi Mohammed VI.. AFP
وهكذا، فإن دعم المغرب لشعب جنوب إفريقيا خلال كفاحه ضد فظائع الفصل العنصري ليس بحاجة إلى بيان. وأكد مصدرنا قائلا: «بالإضافة إلى كونه الأقدم، كان الدعم المغربي أكثر أهمية». نيلسون مانديلا، رمز هذا النضال، كان قد أقام في مدينة وجدة بالمغرب، التي أصبحت المقر الحقيقي للمقاومة في إفريقيا من عام 1960 إلى عام 1962. ومن المثير للاهتمام أن هذا هو المكان الذي التقى فيه بقادة جبهة التحرير الوطني الجزائرية. التمويل والأسلحة والتدريب... «لم يكن مانديلا يعود من المغرب خالي الوفاض»، يشير مصدرنا. والدليل على ذلك هو أن مانديلا نفسه سيشيد بزعيم مغربي، وليس جزائري، على مساهمته في حرب التحرير الجنوب-إفريقية: عبد الكريم الخطيب، وزير الدولة للشؤون الإفريقية في ذلك الوقت والوسيط مع المؤتمر الوطني الإفريقي (الحزب الحاكم حاليا والذي كان مانديلا زعيما له آنذاك). كان ذلك في عام 1995، في مدينة كيب تاون بجنوب إفريقيا، وبحضور الراحل الدكتور الخطيب.
لقد تغير النظام، ومنذ ذلك الحين، تولى المسؤولية جيل جديد من قادة حزب المؤتمر الوطني الإفريقي. وأخذ مسارا مختلفا تماما. وذكر هذا الديبلوماسي السابق قائلا: «بنيت سلطة حزب المؤتمر الوطني الإفريقي حول إيديولوجيتين رئيسيتين: الخطاب المناهض للإمبريالية وما يسمى بتحرير الشعوب. حتى اليوم، لا تزال تردد هذه الأسطوانة، وهذا الحزب يرفض أي تغيير ومنغلق من وجهة نظر الإيدلوجية. وكأن الحرب الباردة لا تزال مستمرة. ونحن نرى ذلك من خلال المعارضة الشرسة لدول مثل المغرب أو إسرائيل، اللذين يتم وضعهما على قدم المساواة». وأوضح المختص في الشؤون الأفريقية: «مع وجود نظام عسكري حاكم في الجزائر، وجد الجيل الجديد من قادة جنوب إفريقيا أرضية مشتركة تقوم على نفس الشعارات، وقبل كل شيء، فرصة للهيمنة عبر تقسيم القارة وإضعاف الدور الرئيسي للمغرب على الساحة الإفريقية. كلما تقدم المغرب وأصبح تقدمه ملحوظا، كلما ازداد عداؤهم».
هدف بريتوريا تقسيم شمال أفريقيا من أجل الزعامة
هذه الأماني لا تُخفي حقيقة واقعة: رغبة بريتوريا للهيمنة على القارة الإفريقية، وتنظر إلى المغرب باعتباره أحد المنافسين الأساسيين. وحلل محاورنا قائلا: «إن جنوب إفريقيا، التي تدعي زعامة القارة بأكملها، لديها مصلحة كبيرة في رؤية شمال إفريقيا منقسمة ودوله متناحرة. تعد ثلاث دول في شمال إفريقيا من بين الدول الستة الأكبر المساهمة في الاتحاد الإفريقي: المغرب والجزائر ومصر. والمساهمون الثلاثة الرئيسيون الآخرون في الاتحاد الأفريقي هم نيجيريا وجنوب إفريقيا وأنغولا. وعلى هذا الأساس، فإن نصف المساهمين في الاتحاد الإفريقي موجودون في شمال إفريقيا، ومن شأن اندماجهم السليم أن يقضي على ما يسمى بزعامة جنوب أفريقيا. إن عداء جنوب إفريقيا للمغرب له هدف وحيد: وهو تقسيم شمال إفريقيا وإضعافه. وهو ما يقوي زعامة جنوب إفريقيا».
ولهذا السبب، فإن أفضل وسيلة هي اللعب بورقة الانفصال. إذا نجحت «الجمهورية الصحراوية» الوهمية في التسلل، في مناسبات نادرة، إلى الاجتماعات الدولية التي يكون الاتحاد الإفريقي طرفا فيها، فهذا بفضل جنوب إفريقيا وعبرها. وأشار الدبلوماسي: «علينا أن نعترف بأن قادة حزب المؤتمر الوطني الإفريقي الموجودين في السلطة بهذه الخاصية: إنهم لا يترددون أمام أي شيء، ولفرض أجندتهم، كل الوسائل جيدة بالنسبة إليهم». إلغاء القمة الأخيرة للاتحاد الإفريقي-الجامعة العربية، التي كان مقررا عقدها في 11 نونبر بالرياض، بسبب تعنت الثنائي الجزائر-جنوب إفريقيا بدعوة الكيان الوهمي، تشهد على ذلك.
لكن الرفض القاطع لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي قرر على الفور استبدال الاجتماع بين المؤسستين بقمة سعودية-إفريقية، تم على إثره استبعاد جبهة البوليساريو وشركائها منها بطبيعة الحال.
وفور تأجيل القمة العربية-الإفريقية في الرياض، أعلن الاتحاد الأوروبي بدوره تأجيل الاجتماع الوزاري المرتقب مع الاتحاد الإفريقي في 20 نونبر المقبل إلى أجل غير مسمى.. والسبب، من بين أمور أخرى، الحضور المتوقع لـ«الجمهورية» الوهمية في هذا الحدث. وهو دليل آخر على أن الجبهة الانفصالية أصبحت تمثل الآن عائقا حقيقيا أمام أي شراكة بين إفريقيا وبقية العالم.
الملاحظ أنه، حتى الآن، فإن الاجتماعات التي تجمع الاتحاد الإفريقي، من ناحية، والاتحاد الأوروبي أو الجامعة العربية، من ناحية أخرى، هما الحدثان الوحيدان اللذين يمكن لـ«الجمهورية الصحراوية» الوهمية أن تجد طريقها إليهما، لأن الأمر يتعلق بعلاقات مؤسسة بأخرى. ولا تزال «الجمهورية» الوهمية عضوا في الاتحاد الإفريقي، على الرغم من أنها أصبحت غير مرغوب فيها على نحو متزايد، إلا أنها تنتهز الفرصة لتتسلل إلى مثل هذه الاجتماعات.
والملاحظ، بحسب هذا المصدر المطلع، هو أن الاتحاد الإفريقي أصبح اليوم رهينة لدى «الجمهورية الصحراوية» الوهمية، مما يمنعه من تطوير شراكات مع الدول التي لا تعترف بهذا الكيان. والحال أنه لا توجد دولة أو منظمة ترتبط معها إفريقيا باتفاقيات شراكة تعترف بهذا الوهم الانفصالي. وينطبق الشيء نفسه على الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية. كما هو الحال بالنسبة لدول مثل تركيا والهند وكوريا الجنوبية واليابان والصين وفرنسا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة. وأوضح هذا المراقب قائلا: «وفي النهاية، لدينا كيان متواجد في الاتحاد الإفريقي غير معترف به من قبل أي من الدول التي تسعى إلى تطوير شراكات مع القارة. إن هذا الواقع وحده يجب أن يدفع الدول الإفريقية إلى طرد هذا الكيان الدخيل على المنظمة الأفريقية».
إقرأ أيضا : كاتب تركي ينتقد دعم بعض الدول لـ"بوليساريو" رغم ارتباطها بمنظمات إرهابية
وفي هذا الصدد، الكل يتذكر الفشل الذريع الذي شهدته النسخة الثامنة لمؤتمر طوكيو الدولي حول التنمية الإفريقية (تيكاد) الذي يجمع بين اليابان والقارة الإفريقية والذي انعقد في غشت 2022 بتونس. فشل نتج عندما استقبل الرئيس التونسي قيس سعيد، بتحريض من الجزائر وبريتوريا، زعيم الميليشيا الانفصالية كضيف، رغم أنه لم يكن له الحق في القيام بذلك. كانت النتيجة الملموسة الوحيدة لهذا اللقاء الفاشل... التوضيح الذي قدمته اليابان بأنها لا تعترف بـ«الجمهورية الصحراوية» الوهمية.
في قطاع الأعمال الأمر مختلف
ملعب آخر لجنوب إفريقيا، مجموعة بريكس، هذا التجمع الاقتصادي لـ«الجنوب العالمي» التي هي عضو فيه. وقد حاولت الجزائر الدخول دون جدوى. وللتذكير، كشف زعماء دول بريكس الخمس، وهي البرازيل وروسيا والصين والهند وجنوب إفريقيا، نهاية غشت الماضي في جوهانسبرغ، عن هوية الأعضاء الجدد في ناديهم المحدود: الأرجنتين ومصر وإثيوبيا والمملكة العربية السعودية وإيران والإمارات العربية المتحدة. وقد أحدث الإعلان عن هذا القرار صدمة حقيقية في الجزائر. لكن هذا لا يهم. «إن تداول اسم المغرب كمرشح محتمل لعضوية بريكس (إشاعة تم نفيها) هي بمثابة حيلة لتخفيف الفشل الجزائري من خلال محاولة الخلط بينه وبين فشل البلد الجار».
هل المستقبل سيكون في صالح المغرب؟ هناك أمل. إن عداء حزب المؤتمر الوطني الإفريقي لا يقابله في الواقع سوى الاحترام العميق الذي تكنه القوى القوية الأخرى في جنوب إفريقيا للمغرب، وإنجازاته والثقة التي يمنحها.
إقرأ أيضا : بنطلحة يكتب: المغرب وجنوب إفريقيا... هل هو رهان على المستحيل؟
وأكد الدبلوماسي السابق قائلا: «بدءً برجال الأعمال وشركات جنوب إفريقيا، التي لا تختنق فقط بسبب الفساد المستشري في بلادها، ولكنها ترى أيضا إمكانات هائلة في المغرب لتنميتها». وهذا هو حال شركة التأمين العملاقة «سنلام»، التي وضعت أقدامها في المملكة من خلال شراء شركة «سهام» المغربية في عام 2018، مقابل 1.05 مليار دولار. وهذا هو الحال أيضا بالنسبة لشركة الفنادق العملاقة «كيرزنر» الدولية، التي كانت وراء منتجع «مازاغان بيتش آند جولف» في الجديدة. ويضاف إلى ذلك عدد كبير من الشركات الصغيرة والمتوسطة.
وتبقى الحقيقة هي أن حزب المؤتمر الوطني الإفريقي مخلص في الوقت الحاضر لأسطواناته ومناوراته. وتجدر الإشارة إلى أن الرئيس السابق للبلاد جاكوب زوما حكم عليه بالسجن 15 شهرا بتهمة الفساد. وزوما نفسه يتهم بدوره رئيس الدولة الحالي سيريل رامافوزا بالخيانة... والفساد.
وكما نلاحظ أن قطاعات بأكملها معاقة بسبب هذه الظاهرة المتسارعة، مثال على ذلك تدبير الكهرباء. في أكثر دول إفريقيا تقدما، وفي المدن الكبيرة مثل بريتوريا، يستمر انقطاع التيار الكهربائي لمدة تتراوح بين 5 إلى 6 ساعات في المتوسط يوميا. وختم مصدرنا قائلا: «في جنوب إفريقيا، الطبقة السياسية بأكملها تقريبا فاسدة. وبالتالي فهي قابلة للشراء والجزائر لا تتردد في إعطاء الشيكات لضمان انحيازها إلى الأطروحة الجزائرية في قضية الصحراء». وبالتالي، فإن الفساد والمصالح الجيوسياسية هي أدوات قوية لتأجيج العداء الجنوب إفريقي ضد المملكة.