في 13 شتنبر الجاري، عقد وزير الخارجية الجزائري، أحمد عطاف، مؤتمرا صحفيا بالجزائر العاصمة. ومن بين النقاط التي تطرق إليها، قضية لجوء مالي إلى محكمة العدل الدولية (CIJ) عبر تقديم طلب ضد الجزائر بتاريخ 4 شتنبر 2025.
النظام الجزائري، كما وصفته باماكو في شكواها، متهم بـ « عدوان صارخ » إثر حادثة إسقاط طائرة مسيّرة عسكرية مالية ليلة 31 مارس – فاتح أبريل الماضي، « داخل الأراضي المالية ». وبحسب باماكو، فقد أكد النظام الجزائري بهذا العمل العدائي، أنه يحمي بعض الجماعات الإرهابية التي يطاردها مالي خصوصاً ودول الساحل عموماً.
في ذلك اليوم، 13 شتنبر، أطلق عطاف أمام مجموعة صغيرة من الصحفيين الجزائريين إحدى الأكاذيب الكبرى التي تميز النظام الجزائري، حيث صرح بأن مالي لم تقدم مطلقاً أي طلب ضد الجزائر أمام المحكمة الأممية. غير أن بياناً نشرته وزارته يوم الجمعة 19 شتنبر، اعترف بأن مالي تقدمت فعلاً بطلب بتاريخ 4 شتنبر لدى محكمة العدل الدولية. إلا أن هذه الأخيرة لم تعلن عن استلامها لهذا الطلب إلا في 16 شتنبر. وهو أمر لا يغيّر شيئاً، لأن العناصر الموضوعية التي تضمنتها الشكوى المالية المؤرخة في 4 شتنبر تبقى هي نفسها.
وجاء في البيان الجزائري: «أعلنت الحكومة المالية أنها قدمت، في 4 شتنبر 2025، طلباً افتتاحياً ضد الجزائر لدى محكمة العدل الدولية. وبمناسبة المؤتمر الصحفي الذي نشطه في 13 شتنبر الجاري، نفى وزير الدولة، وزير الشؤون الخارجية، هذا الادعاء». وهي صيغة تعكس قول الشيء ونقيضه في الوقت ذاته.
والحقيقة أن محكمة العدل الدولية لم تؤكد الشكوى المالية إلا بعد 12 يوماً من إعلانها من قبل باماكو، وذلك لأسباب إجرائية. إذ يتعين على المحكمة أولاً أن تتأكد من اختصاصها للنظر في الطلب. كما يجب أن تطلب من الطرف المدعي الوثائق والأدلة التي تراها ذات صلة لتأكيد الوقائع المذكورة في الشكوى.
إقرأ أيضا : الجزائر تهاجم مالي: عندما يحاضر نظام ديكتاتوري في الديمقراطية والأخلاق!
ولا تتوجه المحكمة إلى الدولة المدعى عليها (الجزائر) إلا بعد استكمال هذه الإجراءات، لتطلب منها أن تبين ما إذا كانت تقبل باختصاص المحكمة في الملف أم لا. وبالفعل، ينص النظام الداخلي للمحكمة في مادته 38 على أنه إذا جاء الطلب بشكل أحادي من دولة مدعية، فإن المحكمة لا يمكنها أن تبت فيه إلا بشرط قبول الدولة المدعى عليها باختصاصها. وإذا رفضت هذه الأخيرة اختصاص المحكمة، يتم رفض طلب المدعي تلقائيا.
وقد استغلت الجزائر هذه الثغرة الواردة في نظام المحكمة كمهرب، حتى لا تضطر إلى مواجهة مسؤولياتها تجاه دولة جارة ذات سيادة. وهكذا أعلن بيان وزارة الخارجية أن الجزائر «ستبلغ في الوقت المناسب محكمة العدل الدولية رفضها لهذه المسطرة المناورة». ويبقى التساؤل قائماً حول ما المقصود بهذا «الوقت المناسب» الذي ستعلن فيه الجزائر رفضها لاختصاص المحكمة.
وبين النفي الذي ورد في مقدمة البيان الجزائري، وقرار الرفض في ختامه، والمتعلق بمسطرة « الاختصاص بالتراضي » (forum prorogatum) التي تقتضي قبول دولتين باحتكام المحكمة لنزاعهما، انخرط النظام الجزائري، في صلب بيانه، في هجوم شديد الانحطاط ضد مالي. فجاءت اللغة المستعملة بعيدة تماماً عن قواعد اللياقة الدبلوماسية. إذ وُصفت الحكومة المالية بـ«الطغمة»، واتُهمت بـ «التناقض»، وجاء في البيان: «يتمثل هذا التناقض في رؤية الطغمة المالية التي داست الشرعية والنظام الدستوري في بلدها، تُبدي حرصاً على القانون الذي تحتقره داخلياً وتدعي زيفاً التمسك به دولياً». إنه باختصار العبث فأقدم طغمة عسكرية في العالم، التي تحكم بلد كل التناقضات منذ أكثر من ستة عقود، تُخرج كل فضائحها لتتهم بها مالي.
وبتجاهل تام لمضمون الشكوى المالية لدى محكمة العدل الدولية، يغوص بيان الخارجية الجزائرية في الإسفاف مضيفاً: « إن هذه الطغمة نفسها قد قادت مالي نحو الكارثة السياسية والاقتصادية والأمنية، وهي نفسها المحرضة على الإفلاس الأخلاقي».
كما اتهم البيان الحكومة المالية في الختام بأنها تمارس « التوظيف السياسي » بجعل الجزائر «كبش فداء»، بغرض وحيد يتمثل في إخفاء «المأساة المفروضة على الشعب المالي الشقيق».
وبعد هذا التملص الذي تجلى في رفضها المثول أمام العدالة الدولية، وجدت الجزائر، التي تزعم أنها تملك « تصورا ساميا للقانون الدولي، وتكن احتراما عميقا لمحكمة العدل الدولية »، نفسها عرضة لانتقادات شديدة من مالي. فقد اتهمتها باماكو بالتهرب من مسؤولياتها عبر رفضها مرافقتها أمام المحكمة. والحقيقة أن الجزائر لديها كل ما تخشاه من لجوء مالي إلى محكمة العدل الدولية، التي كانت ستدينها حتماً وتلزمها بالتعويضات.




