أشرف الحساني يكتب: السياسي ومحنة الرأسمال الرمزي

في 24/06/2025 على الساعة 21:30

نادراً ما يعثر المرء في غمرة التحوّلات السياسية والثقافية التي تطبع مغرب اليوم، على وجه سياسي كبير، يتمتّع بكاريزما قوية وبنفوذ رمزي يجعله صاحب رأي وموقف، وليس مجرد سياسيّ فارغ، يتحايل على الرأي العام عبر خطابات إيديولوجية واهية وأجندات سياسية فارغة.

يحبل المغرب بالعديد من السياسيين ممّن توفّرت فيهم الشروط ليصبحوا من السياسيين الكبار الذين يصعب نسيانهم أو طمس ذكرهم، بحكم قيمتهم الفكرية ومكانتهم الثقافيّة داخل المجال العام. والحقيقة أن أسماء من قبيل: عبد الله إبراهيم وعبد الرحمان اليوسفي والمهدي بن بركة ونوبير الأموي وغيرهم، امتلكوا عقلاً فريداً ورؤية سياسية واضحة المعالم والرؤى. إذْ على الرغم من انشغالهم السياسي اليوميّ داخل البرلمان والأحزاب والنقابات، ظلّت الثقافة بالنسبة لهم مشروعاً غير مؤجّل، بل تكاد تكون تاجاً على رأس السياسي، بحكم أنّها تعطيه حظوة رمزية داخل المجتمع وتدفعه إلى التفكير بطريقة مختلفة ومن منظور سياسي مغاير.

لقد أدرك هؤلاء السياسيون الكبار أنّ لا قيمة لمشروع سياسي بدون نزعة ثقافية، لذلك فإنّ أغلبهم كان مثقفاً وله باع طويل في تاريخ الفكر البشري. فهذه الوجوه، لم تُؤمن على الإطلاق بمفهوم الحدود والسياجات التي عادة ما يقيمها الأكاديميون والسياسيون، حتّى يضعون أنفسهم في خانة « تخصّص » بقدر ما جعلوا أجسادهم تتماهى مع التحوّلات التي تطال الواقع سياسياً وثقافياً.

كما أنّ انتمائهم إلى الأجيال الستينية والسبعينية، كان أحد العوامل البارزة في نشأتهم في قلب الثقافة وأنماطها الرمزيّة. ذلك إنّ هذه الأجيال صنعت مفهوم الحداثة داخل المجال الثقافي العام، انطلاقاً من أسماء أدبية وفكرية لعبت دوراً كبيراً في رفع سقف التفكير في سؤال الحداثة الثقافية.

لذلك تعتبر السبعينيات بمثابة الجيل الذي صنع الحداثة الثقافية بالمغرب، حيث عمل العديد من الأدباء والمفكّرين والفنانين والسياسيين على وضع شروط موضوعية لهذه الحداثة الوافدة من الغرب والنازحة عبر المشرق. غير أنّ هذه الحداثة بمختلف ممارساتها الثقافيّة والفنية، لم تكُن مفصولة عن الإطار السياسي، بقدر ما ظلّت من جهة بمثابة سندٍ له وموجّهاً له من جهة أخرى.

لقد كان يصعب على العديد من الباحثين والمتأمّلين للشأن الثقافي في ذلك الإبان، أنْ يفصلوا بين مفهومي « الثقافي » و« السياسي » حيث كانت الثقافة مؤثّرة في السياسة، ويصعب على رجل السياسة الخروج من ربقتها، بحكم الجدل الذي كانت تُحدثه والجماهير الهلامية الشعبية التي كانت الثقافة بالنسبة لها نشيداً حداثياً. فكان السياسي، مرغماً على تتبّع الشأن الثقافي، شعراً وقصّة وفكراً ورواية وتاريخاً ومسرحاً، لأنّ كان يُدرك جيّداً حجم تأثير الممارسات الثقافية في المجتمع خلال السبعينيات.

وفق هذا المنطلق، عمل رجل السياسة على استقطاب العديد من المثقفين داخل أحزاب سياسية ونقابات تعليمية، وعياً منه بقيمة ما يكتبونه وما تستطيع أقلامهم أنْ تتركه من أثر واضح في ثنايا المجتمع في ذلك الإبان. إذْ لا تكاد نقابة أو حزب سياسي تخلو من نشاط ثقافي وأحياناً بمشاركة سياسيين وليس مثقفين، ما يعني أنّنا أمام تجربة سياسية وإنْ اختلفنا مع أصحابها من ناحية الأفكار والمواقف والمرجعيات، فإنّها تبقى في الحقيقة مختلفة لكونها أكثر وعياً بحمولات فكريّة تُضمرها الممارسات الثقافيّة.

إنّ المتأمّل للمَشهد السياسي اليوم، لا يكاد يعثر على شخص واحد تهُمّه الثقافة، باعتبارها رأسمالاً رمزياً، يتيح للسياسي إمكانات مذهلة على مستوى التفكير. فالثقافة ليس بذخاً فكرياً، بقدر ما تُمثّل في عمقها مشروعاً سياسياً حقيقياً له القدرة على إخراج الناس من براثن الجهل والتقليد. كما أنّ الثقافة بمفهومها الأنثروبولوجي المركّب، تلعب دوراً كبيراً من الناحية الاقتصادية عن طريق بناء المتاحف وتأسيس محترفات فنية وبناء قاعات سينمائية وإقامة مهرجانات موسيقية، إذْ تعطي للبرامج السياسية نجاعتها وقوّتها في الالتحام بالواقع وتغيّراته.

تحرير من طرف أشرف الحساني
في 24/06/2025 على الساعة 21:30