25 عاما من الحكم (الحلقة 11): الطيران وصناعة السيارات.. المملكة المغربية تتحوّل إلى فاعل رئيسي بين الأقوياء

المملكة المغربية تتحوّل إلى فاعل رئيسي في مجاليْ الطيران وصناعة السيارات، تحت القيادة الرشيدة للملك محمد السادس. (يوسف الحراق / Le360)

في 31/07/2024 على الساعة 19:58

شهدت قطاعات كانت منعدمة تقريبا قبل 25 عاما، مثل قطاعي السيارات والطيران، نموا مذهلا منذ اعتلاء الملك محمد السادس العرش، إلى حد أنها أصبحت قصص نجاح حقيقية وركيزة أساسية للصادرات المغربية. فبعدما انطلقت تقريبا من «العدم»، فرضت المملكة نفسها اليوم كفاعل رئيسي بين الأقوياء.

من كان يصدق ذلك؟ في سنة 2024، سيصبح المغرب رائد صناعة السيارات في القارة الإفريقية، متفوقا على جنوب إفريقيا، الرائدة بلا منازع في هذا القطاع منذ عدة عقود، بحسب مكتب «BMO»، التابع لـ«Fitch Solutions» المتخصصة في التحليل المالي. ووفقا لتوقعاتها، من المتوقع أن تنتج الرباط تقريبا 614 ألف وحدة هذا العام (سيارات والمركبات الخفيفة)، مقارنة بـ591 ألف وحدة لبريتوريا، وبالتالي ستستفيد من «الأداء اللوجستي الضعيف وزيادة واردات المركبات إلى جنوب إفريقيا في عام 2024».

والأكثر من ذلك، بحسب المصدر ذاته، ستستمر الهيمنة المغربية خلال العقد المقبل، حيث سيشهد إنتاج المركبات نموا سنويا متوسطا بنسبة 6.8% سنويا حتى عام 2033، ليصل حجم الإنتاج السنوي إلى 1.09 مليون وحدة.

وهذا الإنجاز ليس وليد الصدفة. إنه ثمرة رؤية ملكية تجسدت من خلال استثمارات ومبادرات كبيرة على مدى السنوات الـ25 الماضية. هذه الملحمة بدأت في فبراير 2012 مع افتتاح الملك محمد السادس لمصنع رونو طنجة. في ذلك الوقت، راهن عدد قليل من الخبراء على نجاح مثل هذا المشروع، خاصة في ظل منظومة للسيارات كانت لا تزال في مراحلها الأولى.

إنتاج 582.661 مركبة بالمغرب سنة 2023

وبعد مرور عام، بدأت المبادرة الجريئة تؤتي ثمارها. وبعد اثني عشر شهرا من انطلاقته، ضاعف الموقع إنتاجه ليصل إلى 100 ألف سيارة، وهو رقم يفوق بكثير 30 ألف سيارة من طراز «Losange» التي يتم تجميعها من أجزاء مستوردة بشركة صوماكا بالدار البيضاء في بداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وبمرور السنوات، تطور المصنع إلى أن أصبح منصة لتصنيع السيارات الثانية للسيارات لشركة رونو-نيسان السابقة، بعد مصنع رونو التاريخي في بيتستي، برومانيا.

بعد نجاح نظيرتها الفرنسية، افتتحت مجموعة «بي إس أ» (التي أصبحت ستيلانتيس بعد اندماجها مع فياط كريسلر) في يوليوز 2019 مصنعا جديدا بالقنيطرة، يقع في المنطقة الصناعية المندمجة للمنطقة الحرة الأطلسية (التي تم إطلاقها في 2010). باستثمارات تبلغ 570 مليون أورو، أي ما يقارب 6 مليارات درهم.

وتشكل هاتان الشركتان، اللتان يصدر ما يقرب من 90% من إنتاجهما أساسا إلى أوروبا، القاطرة الأساسية لقصة نجاح صناعة السيارات المغربية، التي أنتجت 582.661 سيارة في عام 2023. وهكذا، أنتجت شركة رونو 382.661 مركبة في موقعيها بالدار البيضاء وطنجة، بارتفاع بنسبة 9.3% مقارنة بعام 2022. وتعتزم الشركة الإيطالية الفرنسية الأمريكية، التي تصنع 200 ألف سيارة سنويا، مضاعفة طاقتها الإنتاجية لتصل إلى 450 ألف سيارة سنويا.

إذا كان المغرب قد تمكن من إنشاء هذه الصناعة المحلية القوية، فإن ذلك يعود على وجه الخصوص إلى المخطط الوطني لتسريع التنمية الصناعية 2014-2020 الذي عزز حقا منظومة صناعة السيارات وشجع ظهور المناطق الصناعية مثل المنطقة الحرة الأطلسية، والمنطقة الحرة لطنجة وطنجة أتوموتيف سيتي، حيث يستفيد المصنعون من الإعفاء الكامل من الضريبة على الدخل خلال السنوات الخمس الأولى.

واردات بقيمة تتجاوز 140 مليار درهم عام 2023

كما تقترح الدولة، عبر صندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، مساعدات في حدود 15% من إجمالي مبلغ الاستثمار في حدود 30 مليون درهم ومكافآت للاندماج المحلي ودعم المهن الرائدة بنسبة تصل إلى 30% من إجمالي الاستثمار. وشجع هذا المخطط أيضا تكوين عدد كبير من المهندسين المؤهلين الذين يوضعون رهن إشارة المستثمرين.

حوافز كبيرة اجتذبت عددا من مصانع معدات السيارات مثل «Lear Corporation» و«Sumitomo» و«Delphi» و«Valeo» و«Yazaki» و«Faurecia»، مما سمح للمهندسين المغاربة بالاستفادة من نقل التكنولوجيا وإتقان الحلقات المختلفة في سلسلة قيمة قطاع صناعة السيارات. من أسلاك السيارات إلى تصنيع المحركات مرورا بإنتاج الشاحنات الثقيلة والهياكل الصناعية.

ويشكل القرب الجغرافي للمملكة أيضا عاملا مهما للشركات متعددة الجنسيات التي يمكنها تصدير كميات كبيرة في الحاويات، خاصة بطنجة-المتوسط، المنصة المينائية الأولى في البحر الأبيض المتوسط. والنتيجة: تواصل صناعة السيارات المغربية أداءها الجيد في ما يخص الصادرات.

ومن حيث القيمة، بلغت صادراتها أكثر من 140 مليار درهم عام 2023، مرتفعة بنسبة 27% مقارنة بعام 2022، مما يعزز مكانتها كقطاع التصدير الأول في المملكة، بفارق كبير عن قطاعي الفلاحة والأغذية (83.14 مليار درهم) والفوسفاط (76.14 مليار درهم). والأكثر من ذلك، أن القطاع وحده كان يمثل في العام الماضي 33% من إجمالي صادرات المملكة.

جيجا فاكتوري، قطاع المستقبل في المملكة

كما حقق القطاع رقم معاملات يفوق 220 مليار درهم سنة 2023 وحقق نسبة اندماج محلي (مستوى مشاركة المزودين المتواجدين بالمغرب في النشاط الإنتاجي للمستثمر) بنسبة 65%. وهو المشغل الرئيسي بإنشاء حوالي 220.000 منصب شغل.

وبعد جذب المستثمرين، تسعى المملكة إلى تطوير صناعة محلية للسيارات. إرادة تجسدت في تقديم الشركة الوطنية الأولى «نيو موتورز» يوم 15 ماي 2022، التي أنشأت وحدة صناعية بعين عودة (جهة الرباط-سلا-القنيطرة) لصناعة السيارات الموجهة للسوق المحلية والتصدير، بقدرة سنوية متوقعة تبلغ 27.000 وحدة ومعدل اندماج محلي يبلغ 65%.

ويجتذب نجاح صناعة السيارات في المغرب أيضا الشركات العملاقة مثل المجموعات الصينية «BTR» و«CNGR» أو أيضا «Gotion High-Tech»، وكذلك المجموعات الكورية والكندية، التي ستقوم ببناء جيجا فاكتوري في المملكة لتصنيع بطاريات السيارات الكهربائية. هذه الاستثمارات التي، وفقا لـ«BMI-Solutions»، من شأنها أن تدعم نمو صناعة السيارات.

أما في مجال الطيران، فإن التطور كان مهما للغاية. فقد شهد هذا القطاع، الذي كان شبه منعدم خلال العشرين سنة الماضية، تحولا ملحوظا ليصبح قاعدة صناعية حقيقية لكبرى الشركات المصنعة مثل بوينغ، وإيرباص، وسبيريت أيروسيستمز، وسافران، وسابكا، وكولينز أيروسبيس.

قطاع الطيران: من «العدم» إلى نادي الكبار

تم وضع إحدى اللبنات الأولى لهذا النجاح في عام 2007، مع إنشاء المجموعة المغربية للصناعات الفضائية والطائرات التي تضم اليوم أكثر من مائة عضو. وأعقب ذلك إحداث المنطقة الحرة ميدبارك بالنواصر سنة 2011، ومعهد مهن الطيران والمعهد المتخصص في مهن الطيران ولوجستيك المطارات، تحت إدارة المجموعة المغربية للصناعات الفضائية والطائرات. وتنضاف إلى ذلك المزايا الضريبية العديدة وإمكانية ولوج المستثمرين إلى الأراضي، في إطار المخطط الوطني لتسريع التنمية الصناعية 2014-2020.

وشهدت 2016، نقطة التحول. وقعت شركة بوينغ الأمريكية العملاقة مذكرة تفاهم مع الحكومة من أجل إحداث منظومة صناعية بالمغرب، مكنت من توطين ما لا يقل عن 120 من مورديها.

وتراهن شركة إيرباص أيضا على المملكة، من خلال شركتها الفرعية «Airbus Atlantic Maroc Composites» التي تواصل تطورها. وستقوم الشركة المصنعة الأوروبية أيضا بتوسيع أنشطتها في المغرب، بعد توقيع اتفاق، في فاتح يوليوز، مع الشركة الأمريكية المصنعة للمعدات سبيريت أيروسيستمز، للاستحواذ على أنشطة كبرى مرتبطة بتصنيع طائراتها في خمسة مصانع، بما في ذلك مصنع الدار البيضاء.

أكثر من 142 شركة و2 مليار درهم من رقم معاملات عند التصدير

أعلنت شركة إيرباص هليكوبتر التابعة لها في اليوم التالي عن افتتاح فرع جديد لها في المغرب. وسيتطور هذا الفرع إلى مركز خدمة للصيانة والإصلاح والتجديد، وسيصبح مركزه الإقليمي لغرب أفريقيا.

وإلى جانب هذه الشركات العملاقة، استقرت شركات كبيرة أخرى في منطقة ميدبارك، مثل شركتي برات آند ويتني وشيمكو الكنديتين، وشركة أكيتوري الإسبانية، أو مؤخرا مجموعة تريلبورج السويدية المتخصصة في تصنيع أنظمة منع التسرب الخاصة بالطيران. الصناعيون الذين ينضمون إلى قائمة طويلة من المستثمرين الموجودين بالفعل.

واليوم، تعمل أكثر من 142 شركة في صناعات الطيران والفضاء في المغرب. ويشغل قطاع الطيران 20 ألف شخص ويحقق رقم معاملات لا يقل عن 2 مليار درهم. وصلت نسبة الاندماج المحلي فيها إلى 40%.

كما هو الحال في صناعة السيارات، يراهن المغرب بشكل كبير على مجال الطيران. وطموحه تصنيع طائرة «مغربية 100%» في أفق 2030، بحسب وزير الصناعة والتجارة رياض مزور. إنجاز كبير سيسمح للمملكة بالوصول إلى مستوى جديد في ملحمتها الصناعية.

تحرير من طرف إيليمان سيمبين
في 31/07/2024 على الساعة 19:58