المؤرخ الفرنسي برنارد لوغان يكتب: «تحرير» تاريخ الجزائر يجب أن يتم في فرنسا

Bernard Lugan.

المؤرخ الفرنسي برنارد لوغان

في 27/05/2025 على الساعة 11:00

مقال رأيينبغي أن نعي جيدا أن هناك موجة تطرف تتصاعد اليوم في فرنسا، حيث ستُجرى الانتخابات الرئاسية لسنة 2027 إلى حد كبير حول مسألة الهوية الوطنية بمعناها الواسع. وفي ظل هذه الظروف، إذا تم انتخاب رئيس من اليمين، فسيتم حينها إعادة النظر بالكامل في « الابتزاز » الجزائري القائم على الذاكرة التاريخية.

منذ بداية ولايته الرئاسية الأولى، لم يتوقف الرئيس إيمانويل ماكرون عن تقديم التنازلات الرمزية للجزائر، مراهنا بسذاجة على تحقيق ما يسميه « تهدئة للذاكرة » بين البلدين.

لكن جهوده لم تُقابل بالمثل، إذ لم تتوقف السلطات الجزائرية عن تبني مواقف متشددة. فبينما رأت في الانفتاح الفرنسي اعترافا بـ«الذنب»، راحت تطالب بالمزيد، الأمر الذي أثار حفيظة السلطات الفرنسية، خاصة في ظل رأي عام فرنسي غاضب لم يعد يرغب بسماع الحديث عن التوبة أو الاعتذار. ومما زاد من حدة التوتر أن فرنسا، التي تمنح سنويا مئات الآلاف من التأشيرات للجزائريين، تصطدم برفض الجزائر استعادة رعاياها المتورطين في جرائم على الأراضي الفرنسية. وقد ساهمت قضية احتجاز الكاتب بوعلام صنصال في صب الزيت على النار.

ومع ذلك، فإن الهيمنة « الأخلاقية » لليسار في فرنسا قد فرضت رواية تاريخية مزيفة تُستخدم كركيزة للنظام الجزائري. وهذه الرواية الملفقة ينشرها شبان جزائريون، ويتبناها بعض المؤرخين الفرنسيين، وخصوصا أولئك المنتمين لمدرسة بنجامين ستورا.

علينا أن ندرك مجددا أن فرنسا تشهد الآن تصاعدا في النزعة الراديكالية، ما سيجعل انتخابات 2027 تتمحور بقوة حول الهوية الوطنية. وفي حال فوز رئيس يميني، فإن « الابتزاز بالذاكرة » الذي تمارسه الجزائر سيوضع موضع تساؤل جذري. عندها سيكون من الممكن أن يُكتب، دون أن يُتهم الكاتب بأنه « حنين للاستعمار » أو « متعاطف مع منظمة الجيش السري OAS »، أن الأمة الجزائرية لم تكن موجودة سنة 1830 عند إنزال القوات الفرنسية في سيدي فرج، وهو ما أكده فرحات عباس نفسه، أول رئيس للحكومة المؤقتة الجزائرية، حين كتب في عام 1936:

«لو كنت قد اكتشفتُ « الأمة الجزائرية »، لكنتُ وطنيًا، وما كنتُ لأشعر بالخجل كما لو ارتكبت جريمة. إن من ماتوا من أجل الفكرة الوطنية يُكرَّمون ويُحترمون كل يوم، ولا تساوي حياتي أكثر من حياتهم. ومع ذلك، لن أقدم هذه التضحية. الجزائر كوطن هي مجرد أسطورة. لم أكتشفها. استجوبتُ التاريخ؛ استجوبتُ الأموات والأحياء؛ زرتُ المقابر: لم يحدثني أحد عنها».(فرحات عباس، باريس: منشورات غارنييه frères، 1981، ص. 27)

وسيكون من الممكن أيضا تذكير بنجامين ستورا بأن الجنرال شارل ديغول نفسه قال:

«منذ أن وُجد العالم، لم تكن هناك وحدة، ولا سيادة جزائرية، بأي شكل من الأشكال. فقد تعاقب على هذا البلد القرطاجيون، الرومان، الوندال، البيزنطيون، العرب السوريون، عرب الأندلس، الأتراك، والفرنسيون، دون أن يظهر في أية لحظة كيان يُدعى الدولة الجزائرية».(من مؤتمر صحفي للجنرال ديغول، 16 سبتمبر 1959)

وأخيرا، سيكون بإمكان المؤرخين الفرنسيين أن يكتبوا، دون أن يُتهموا بإنكار التاريخ، أن الفترة العثمانية التي امتدت من أوائل القرن السادس عشر حتى عام 1830، أي أكثر من ثلاثة قرون، لم تكن مرحلة تشكل «أمة جزائرية». كما ورد في مقال سابق، من المهم التذكير بأن إيالة الجزائر العثمانية لم تكن مستعمرة منسية في إفريقيا، بل كانت جزءا محوريا من المنظومة الإمبراطورية العثمانية. وعلى عكس طرابلس وتونس، بقيت الجزائر خاضعة مباشرة للسلطة العثمانية، إذ كانت تُدار من قبل البايات في الولايات، ثم الدايات الذين يُعيّنون على رأس الإيالة.

وعلى خلاف طرابلس وتونس، لم يحدث أي انفصال بين الجزائر ومركز السلطة العثمانية في إسطنبول. وهذا ما يفسر، إلى حد بعيد، عدم تطور كيان ملكي وطني كما حدث في تونس مع الحسينيين، أو في طرابلس مع الكرمانليين.

ومن هنا تنبع « العُقدة الوجودية » الجزائرية التي تمنع أي تحليل عقلاني لتاريخ البلاد، حيث يواصل القادة الجزائريون التمسك اليائس بتاريخ مزيف تم اختراعه لتجميل صورتهم، ولا خيار لهم سوى التظاهر بالإيمان به...

إنه تاريخ مزيف شرعنته في فرنسا وسائل إعلام متواطئة، وأحيانا ممولة، إلى جانب مؤرخين ناشطين يبدو أن مرجعيتهم الفكرية والعقائدية توقفت عند سنوات 1954-1962.

تحرير من طرف برنارد لوغان
في 27/05/2025 على الساعة 11:00