وأشار التقرير إلى أن استعادة هذه الروابط تبقى ممكنة لأن أساسها لم ينقطع، بل تعرّض فقط لـ «التجميد».
العائلات الممزقة.. أشد صور الجرح
أوضح التقرير أن أشد صور الجرح الاجتماعي وضوحا تظهر في العائلات الممزقة على طرفي الحدود. فآلاف الأسر في المدن الحدودية، بين تلمسان ووجدة ومغنية وبني درار، اعتادت على العبور اليومي والزيجات المختلطة. لكن الإغلاق حول تواصل العائلات إلى «رحلة منفى في دول أخرى»، وجعل جيلا كاملا من أبناء العمومة لا يعرف بعضه إلا عبر الهواتف.
ورغم كل ذلك، يشدد التقرير على أن الجزائريين والمغاربة ما زالوا يتحدثون عن بعضهم بعبارات القرب لا الغربة، ما يعني أن الرابطة العاطفية لم تُمحَ، وهي تنتظر فقط فرصة لاستئناف الحياة.
التكنولوجيا جسر الجيل الرقمي
كشف المنتدى أن الهوية المغاربية، رغم إضعافها سياسياً وتعليمياً، لم تختفِ. فالروابط الثقافية بقيت قوية، حيث تنتقل الموسيقى الشعبية واللهجات المتقاربة بين الجمهورين عبر الإنترنت.
ولعبت التكنولوجيا دورا حاسما في إبقاء الروابط حية، حيث خلق الفضاء الرقمي جيلا من الشباب في البلدين «يعرف الآخر أكثر مما عرفه في زمن الحدود المفتوحة»، من خلال تبادل الفن، الكوميديا، الألعاب الإلكترونية، وحتى النقاشات السياسية.
المشهد الثقافي، بحسب التقرير، كان دائما الجسر الأقوى، مشيرا إلى أن الثقافة القادرة على إعادة بناء الثقة أسرع من السياسة، عبر مبادرات بسيطة كالمهرجانات الرقمية المشتركة والتبادل الطلابي.
مفارقة الشباب ووعي المصالحة
يعيش الشباب في المغرب والجزائر مفارقة قاسية: «انفتاح كامل على العالم، وانغلاق كامل على الجار الأقرب». هذا الشعور المتناقض بين القرب والحرمان يولد وعيا بأنهم شعبان يشبهان بعضهما أكثر مما يختلفان.
ويوضح التقرير أن هذا الوعي يمكن أن يتحول إلى طاقة للمصالحة المستقبلية متى وُجدت الإرادة السياسية.
ولم يقتصر أثر القطيعة على البلدين، بل امتد إلى المنطقة المغاربية بأكملها، حيث فقدت تونس وليبيا وموريتانيا الديناميكية الإقليمية التي كان يمكن أن تدفع مشروع المغرب الكبير نحو التكامل في مواجهة تحديات مشتركة كالهجرة والتطرف.
المصالحة تبدأ بخطوات بسيطة
وختم التقرير بالإشارة إلى أن الأمل لا يزال قائما، فالمصالحة لا تبدأ بفتح الحدود فجأة، بل بخطوات صغيرة وملموسة.
ودعا التقرير الدبلوماسية الرسمية في الجزائر والمغرب إلى البدء بهذه الخطوات البسيطة، حتى لو بقي الملف السياسي معقدا. ومن ضمن هذه الخطوات: توفير ممرات إنسانية للعائلات، ومبادرات طلابية وثقافية، ومشاريع رقمية مشتركة، وإحياء قنوات التواصل الأكاديمي والفني.
وشدد المنتدى على أن الجرح الاجتماعي الذي خلّفته القطيعة سياسي في سببه، لكنه إنساني في عمقه، وأن إعادة بناء الثقة ليست تنازلا، بل استثمارا في الاستقرار والمستقبل.




