الصحراء وسبتة ومليلية: «الحزب الشعبي» الإسباني في حرب ضد الواقع

Le président du Parti populaire, Núñez Feijóo, donnant un discours à Melilla, le 10 novembre 2025.

رئيس الحزب الشعبي الإسباني، ألبرتو نونيز فييجو، يلقي خطابا في مليلية، في 10 نونبر 2025

في 15/11/2025 على الساعة 19:00

فيديوفي سياق تزداد فيه السيادة المغربية على الصحراء رسوخاً، يُضاعف «الحزب الشعبي» الإسباني من استفزازاته، مُزاوجا بين المناورات البرلمانية، والاستغلال الإنساني، وإثارة النعرات السيادية حول سبتة ومليلية، والهجمات الاقتصادية المُوجهة. هذه الاستراتيجية ليست مشروعا دبلوماسيا على الإطلاق، بل تنبع من رد فعل استعماري مُصاب، وحسابات انتخابية داخلية، وعجز عن قبول حقيقة أن توازُن القوى التاريخي قد انقلب. إن «الحزب الشعبي» لا يدافع عن إسبانيا، بل يُمعن في معاندة واقع تجاوزَه بالفعل. هذا تحليل للوضع.

بعد مرور الذكرى الخمسين لـ«المسيرة الخضراء»، التي مثلت الانسحاب النهائي لإسبانيا من أقاليمها المحتلة سابقا، وبعد أيام قليلة فقط من صدور قرار جديد لمجلس الأمن يؤكد أولوية الحل المغربي المتمثل في الحكم الذاتي، أطلق «الحزب الشعبي» الإسباني، وهو التشكيل الرئيسي للمعارضة لدى الجار الشمالي، حملة دبلوماسية وإعلامية وسياسية ضد المغرب. هذه السلسلة من الأحداث ليست مرتجلة ولا عابرة. لقد جمعت بين مبادرة برلمانية مُوجهة ضد الموقف الرسمي للدولة الإسبانية، وخطاب قانوني-إنساني مُستغل، وتمثيل سياسي في مليلية، وعداء تجاري للمنتجات المغربية، واللجوء إلى موضوع السيادة الحساس على سبتة ومليلية.

إنها محاولة لمواجهة الديناميكية الدولية المؤيدة للمغرب، وفي الوقت نفسه بناء خطاب داخلي للمواجهة موجه للجمهور الإسباني المحافظ. جميع التصريحات والأعمال الصادرة عن «الحزب الشعبي» تندرج ضمن رؤية تمزج بين الحسابات الانتخابية، والمخاوف الاستراتيجية، وردود الأفعال القديمة الموروثة عن التاريخ الاستعماري.

كان آخر فصول هذه الحملة في البرلمان الإسباني، حيث أودع «الحزب الشعبي» هذا الأسبوع مقترحا غير تشريعي يطالب الحكومة بتوضيح موقفها من الصحراء. تحت ذريعة الدعوة إلى احترام القانون الدولي، يطالب النص صراحة مدريد بأن تؤكد من جديد دعمها لقرارات محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي التي ألغت الاتفاقيات الثنائية مع المغرب في مجالي الصيد البحري والزراعة. هذا الطلب غريب الأطوار وعفا عليه الزمن، ويأتي علاوة على ذلك في وقت تتشكل فيه اتفاقيات جديدة، وعلى ضوء تبني مجلس الأمن، في 31 أكتوبر الماضي، لقرار يكرس خطة الحكم الذاتي للصحراء تحت السيادة المغربية. بمعنى آخر، لا يوجد موضوع أساسا للنقاش. كما يطالب «الحزب الشعبي» بتخصيص مبلغ 7 ملايين يورو لصالح مخيمات تندوف، ويشترط تقديم تقرير مفصل عن المساعدات المرسلة إلى السكان الصحراويين بين عامي 2021 و2025.

يُقدم هذا المقترح البرلماني على أنه مجرد تذكير بالمبادئ القانونية الدولية، لكنه يشكل في الواقع محاولة لإضعاف الموقف الدبلوماسي الذي اعتمدته الدولة الإسبانية منذ مارس 2022، والذي تعترف بموجبه الآن بالحل المغربي المتمثل في الحكم الذاتي باعتباره الأساس الأكثر مصداقية وواقعية لحل النزاع. يُرافق «الحزب الشعبي» هذا النص بخطاب يدّعي أن حكومة سانشيز قد خرقت «الإجماع التاريخي» المزعوم للدبلوماسية الإسبانية وتخلت عن موقف «الحياد النشط». بعبارة أخرى، يطالب بالعودة إلى الغموض الذي سبق التقارب الرسمي مع الرباط، على الرغم من أن الموقف الإسباني يتوافق الآن مع التطورات الدولية.

الاستفزاز ليس برلمانيا فحسب، بل هو رمزي أيضا. فقد نظَّم ألبيرتو نونييث فيخو اجتماعا رسميا لقيادة «الحزب الشعبي» في مليلية. قُدِّمَت هذه الزيارة على أنها عمل دفاعي عن «السيادة الإسبانية»، مع خطاب يُشدد على أن سبتة ومليلية مدينتان إسبانيتان وأوروبيتان، وأنه يجب تعزيز التواجد المؤسساتي والأمني فيهما. الرسالة ليست موجهة للمغرب، بل للرأي العام الداخلي. يتعلق الأمر بالإيحاء بأن الحكومة التنفيذية الحالية لا تحمي هذه الجيوب بما فيه الكفاية، وأن المغرب يشكل تهديدا كامنا.

أخيرا، أعاد «الحزب الشعبي» إحياء الملف الاقتصادي والزراعي القديم. فقد دعا مسؤولون في الحزب إلى التشكيك في الواردات الزراعية المغربية، وخصوصا تلك القادمة من الأقاليم الجنوبية، مُتذرعين بالمنافسة غير العادلة وعدم الامتثال للمعايير الأوروبية. بل إن بعضهم طالب بإجراء تحقيق في مزاعم تهرب ضريبي مغربي بقيمة تتراوح بين 70 و77 مليون يورو يتعلق بالطماطم المغربية. هذه الهجمات لا تستهدف الاقتصاد فعليا، ولكنها تشكل ضغطا سياسيا إضافيا على مدريد، ووسيلة لاستعادة أصوات المزارعين الإسبان، الذين هم شديدو الحساسية لقضية الواردات القادمة من خارج الاتحاد الأوروبي.

هجمات تتعارض مع الحقائق

تصطدم مبادرات «الحزب الشعبي» بواقع لا يمكن دحضه. لقد اعترفت إسبانيا، كدولة، رسميا بالخطة المغربية للحكم الذاتي كأساس للحل السياسي، وقد تعزز هذا الموقف ليس فقط بتصريحات الحكومة، ولكن أيضا باستمرار التعاون الاقتصادي والأمني والهجرة بين البلدين. على الساحة الدولية، يذكر قرار مجلس الأمن الذي اعتمد في 31 أكتوبر بوضوح أن المبادرة المغربية باتت تشكل المرجع الأساسي في الأمم المتحدة.

علاوة على ذلك، تطور موقف جميع الشركاء الأوروبيين الرئيسيين تقريبا نحو موقف مماثل. هذا هو حال ألمانيا وهولندا وبلجيكا وفرنسا والمؤسسات الأوروبية نفسها. وتدعم اليوم الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ودول الخليج وأغلبية ساحقة من الدول الإفريقية بشكل علني المقترح المغربي. هذا الوضع يقلب التوازن الدبلوماسي التاريخي. فلفترة طويلة، كان على المغرب أن يقنع أو يقدم التوضيحات. أما الآن، فإن الحجة الانفصالية هي التي تتبخر، وتظهر الجزائر في نظر المجتمع الدولي كطرف رئيسي مُعيق.

إن سلسلة أحداث نوفمبر ليست معزولة. ففي يوليوز، اتخذ «الحزب الشعبي» بالفعل مبادرتين عدائيتين بشكل خاص تجاه المغرب. كانت الأولى هي الدعوة الرسمية لممثل «البوليساريو» في إسبانيا، عبد الله العرابي، لحضور مؤتمره الوطني. كان ذلك بمثابة إهانة دبلوماسية واضحة، إذ قدم حزب فيخو منبرا سياسيا لحركة انفصالية موجهة ضد دولة جارة، في الوقت الذي تسير فيه هذه الحركة نحو تصنيفها كمنظمة إرهابية من قبل السلطات الأمريكية.

بعد أيام قليلة، طالبت عضوة في البرلمان الأوروبي من «الحزب الشعبي» بإعادة النظر في الاتفاقية الزراعية بين الاتحاد الأوروبي والمغرب، مطالبة باستثناء المنتجات القادمة من الصحراء بشكل صريح، بذريعة المنافسة والبيئة والضرائب. كان من الواضح أن الهدف الحقيقي لم يكن اقتصاديا، بل استراتيجيا: ضرب المغرب في قطاع يمتلك فيه روافع هيكلية، وحيث يعد تعاونه مع مدريد أمرا لا غنى عنه.

أثارت الضربة الأولى من «الحزب الشعبي» ردا فوريا من حزب الاستقلال. فباسم التقارب الإيديولوجي بين حزب الاستقلال و«الحزب الشعبي»، بعث نزار بركة، الأمين العام للحزب، رسالة إلى ألبيرتو نونييث فيخو ندد فيها بدعوة ممثل «البوليساريو»، وذكّره بالدعم الدولي الواسع للخطة المغربية. هذا التدخل وضع فيخو في موقف حرج، مذكرا إياه بأن العلاقات بين العائلات السياسية لا تسمو فوق السيادة الوطنية.

La lettre adressée par le secrétaire général du Parti de l'Istiqlal à Alberto Núñez Feijóo, leader du PP espagnol.

ومع ذلك، لم يسجل أي رد فعل مغربي رسمي. وحسب مصدر داخل حزب الاستقلال طلب عدم الكشف عن هويته، فإن هذا الصمت ليس علامة ضعف بل هو خيار تكتيكي. ويتمثل هذا الخيار في عدم منح «الحزب الشعبي» الدعاية والمواجهة التي يسعى إليها، وتركه ينزوي دبلوماسيا في اللحظة التي يحصد فيها المغرب المزيد من الدعم والاعترافات الدولية. وبشكل أعم، ترد الرباط فقط عندما يتم تجاوز «خط أحمر»، وتتجاهل محاولات الاستفزاز التي لا تغير شيئاً من الواقع الجيوسياسي.

دلالات تحركات «الحزب الشعبي»

تُفسَّر تصرفات «الحزب الشعبي» بمزيج من العوامل السياسية. الدافع الأول هو الحسابات الانتخابية. إذ يتعلق الأمر بإضعاف حكومة سانشيز، وتعبئة الناخبين المحافظين المرتبطين بمفهوم السيادة الإقليمية، واستمالة الأوساط الزراعية عبر تقديم المغرب كمنافس غير نزيه مسؤول عن صعوباتهم.

الدافع الثاني ينبع من الخوف الاستراتيجي. يلاحظ «الحزب الشعبي» أن المغرب لم يعد دولة هامشية، بل قوة إقليمية صاعدة، وقد استقرت مكانته الآن بشأن الصحراء. وهو يخشى أن يتمكن المغرب المعزز اقتصاديا ودبلوماسيا، من طرح قضية سبتة ومليلية بشكل مباشر في نهاية المطاف. هذا القلق هو ما يفسر التمثيل السياسي في زيارة فيخو إلى مليلية.

الدافع الثالث هو التناقض الداخلي. يؤكد «الحزب الشعبي» أنه يدافع عن القانون الدولي والاستقرار الإقليمي والمصالح الاقتصادية الإسبانية. ومع ذلك، فإنه من خلال دعم «البوليساريو»، والمطالبة بتعليق الاتفاقيات التجارية، وتهديد التعاون في مجال الهجرة والأمن، فإنه يعرض المصالح الاستراتيجية الرئيسية لإسبانيا نفسها للخطر. إذ تعتمد القطاعات الزراعية والموانئ واللوجستيات والسياحة الإسبانية على التدفقات الاقتصادية المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالمغرب.

أخيرا، يندرج خطاب «الحزب الشعبي» في إطار رؤية موروثة من الماضي الإمبراطوري الإسباني. فعندما يتحدث عن «مدن إسبانية وأوروبية في إفريقيا»، فإنه يديم تصورا للوجود الإسباني في شمال القارة الإفريقية كحقيقة تاريخية لا يمكن المساس بها، دون الاعتراف أبداً بأن هذا الوضع نابع من علاقة استعمارية. هذا التصور يفسر عجزه عن فهم التحول العميق في التوازنات الدبلوماسية.

استراتيجية «الفزاعة»

يجب التذكير بثلاث حقائق بوضوح شديد. أولا، سبتة ومليلية ليستا مطروحتين على الطاولة. لا توجد أي عملية دبلوماسية دولية جارية حالياً حول هذا الموضوع، ولا يجري المغرب أي مفاوضات رسمية بشأنهما. وبالتالي، يلوح «الحزب الشعبي» بـ«فزاعة» لمنح نفسه دور الحامي. ثانيا، سلوك «الحزب الشعبي» ينبع من رد فعل نيو-استعماري. إنه يرفض فكرة أن المغرب أصبح محاوراً نداً لند، ويستمر في إنتاج خطاب نابع من حقبة كانت إسبانيا تدعي فيها إملاء شروط الحوار. هذا الخطاب فقد كل فاعلية استراتيجية.

أخيرا، لن يحصل «الحزب الشعبي» على شيء. لن ينجح في قلب الموقف الرسمي لإسبانيا، ولن يتمكن من تغيير التوجه الدبلوماسي الدولي، ولن يستعيد إجماعاً قديماً لم يعد موجوداً، ولن يفعل سوى إضعاف المصالح الاقتصادية الإسبانية. لم يعد المغرب مجرد موضوع دبلوماسي، بل هو فاعل يتمتع بالسيادة. من خلال رغبته في استغلال قضية الصحراء لأسباب سياسية داخلية، يعرض «الحزب الشعبي» نفسه لعزلة تدريجية في الساحة الوطنية والدولية ولتناقض داخلي بين شعاراته والمصالح الحقيقية لإسبانيا.

يؤكد ديفيد ألفارادو، دكتور في العلوم السياسية ومطلع جيد على آليات السلطة الإسبانية، أن «الواقع هو أن التوجه بين البلدين يتجه نحو تعزيز العلاقات بين المغرب وإسبانيا، على أساس معايير عام 2022، وسيستمر ذلك لسنوات طويلة قادمة. وهذه حقيقة لا تتردد قوى سياسية أخرى، سواء كانت في اليمين أو اليسار من حزب PSOE (الحزب الحاكم الذي ينتمي إليه الرئيس بيدرو سانشيز)، في التشكيك فيها واستخدامها كسلاح سياسي، مما يهدد الدينامية الجيدة الحالية لأغراض حزبية». وفي مقابلة أجراها مع Le360، تحدث الخبير باستفاضة أكبر عن هذا الأمر.

حتى في هذا الإطار، يرى عبد الواحد أكمير، المؤرخ والأستاذ الجامعي والمتخصص في العلاقات المغربية-الإسبانية، تفصيلا دقيقا. ففي العمق، يدعم «الحزب الشعبي» خطة الحكم الذاتي ويسعده أن الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني (PSOE) قام بالعمل نيابة عنه. يذكر أكمير: «لقد لاحظنا ذلك بوضوح خلال المناقشات التي تلت اعتراف إسبانيا بخطة الحكم الذاتي كحل وحيد في الكونغرس حول الموقف الجديد للحكومة التنفيذية الإسبانية. لقد تعرضت هذه الأخيرة للانتقاد بالتأكيد، ولكن على الشكل فقط، لا سيما بشأن عدم استشارة المعارضة. أما في الجوهر، فلم يكن هناك أي انتقاد. فالدعم الإسباني للمغرب بخصوص الصحراء هو موقف دولة وليس موقف حكومة».

وبالتالي، فإن ما يقدمه قادة «الحزب الشعبي» على أنه موقف حازم ليس في الواقع سوى رد فعل هوياتي بلا أفق، يتطلع نحو ماض ولى. لقد حسم التاريخ بالفعل لصالح حل سياسي لقضية الصحراء على أساس سيادة المملكة وشراكة استراتيجية بين المغرب وإسبانيا، وأوروبا عموما. وأصبح «الحزب الشعبي» هو الذي يتقدم الآن في الاتجاه المعاكس.

تحرير من طرف طارق قطاب
في 15/11/2025 على الساعة 19:00