فيما يخص قضية بيغاسوس، برامج التجسس التي صممته شركة NSO الإسرائيلية، قد تكون الوقائع عنيدة، وموقف المغرب واضح وثابت، والدلائل غير موجودة، لكن بعض وسائل الإعلام الأجنبية، بما في ذلك وسائل إعلام فرنسية، تستمر في التكالب على المملكة. يكفي فقط أن تتفجر فضيحة جديدة في إسبانيا لتوجيه أصابع الاتهام مرة أخرى إلى المغرب.
فيوم الاثنين الماضي، 2 ماي، كشف وزير الرئاسة الإسبانية، فيليكس بولانو، عن استهداف هواتف رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيز، ووزيرة دفاعه، مارغريتا روبلس، في ماي ويونيو 2021 ببرنامج بيغاسوس. كان ذلك خلال مؤتمر صحفي، تحدث خلاله الوزير الإسباني عن "حقائق بالغة الخطورة" و"هجوم خارجي".
وتساءلت عدة وسائل إعلام إسبانية عن الأحداث المهمة التي وقعت حينها، والتي يمكن أن تفسر مثل هذا الهجوم. وذكرت تلك الوسائل، من ناحية، بالاستعدادات للعفو عن قادة حركة استقلال كاتالونيا، وهو العفو الذي حدث بعد ذلك ببضعة أسابيع، في يونيو 2021، ومن ناحية أخرى، بالأزمة الدبلوماسية بين إسبانيا والمغرب، التي تفجرت بعد إدخال زعيم البوليساريو إبراهيم غالي إلى مستشفى في لوغرونيو، شمال البلاد.
لكن ردود الفعل الأكثر شراسة جاءت بشكل مفاجئ من بعض وسائل الإعلام الفرنسية، على الرغم من سمعتها بأنها تتعامل مع الوقائع البحثة: اثنتان من تلك الوسائل الإعلامية، على وجه الخصوص، تميزتا بتهجمهما على المغرب، الذي يعتزم مقاضاتهما لنشرهما أخبارا كاذبة وكيدية بعد اتهام المغرب باستخدام هذا البرنامج. يتعلق الأمر أولا بـ"فرانس أنفو"، وهي إذاعة عمومية فرنسية، والتي فكرت "بشكل عفوي في المغرب، أحد البلدان الرئيسية المتهمة في فضيحة التنصت الهاتفي". ثم هناك أيضا صحيفة "لوموند"، التي تسير في نفس الاتجاه.
ويمكن القول إن هذه القضية الإسبانية الجديدة هي فرصة لهذه الوسائل الإعلامية، التي شعرت بخيبة أمل كبيرة للغاية، لأن هجومهما الأول لم يكلل بالنجاح في إسقاط الرؤوس التي أرادوا إسقاطها داخل أجهزة المخابرات المغربية.
العودة إلى تشعبات القضية يساهم في فهم أسباب هذا التكالب والتهجم على المملكة. تعد فرانس أنفو ولوموند جزءا من "كونسورتيوم" يتألف من 17 وسيلة إعلامية دولية، التي عالجت قائمة تضم 50000 رقم هاتف، استهدفت جميعها ببرنامج بيغاسوس، والتي كشفت عنها منظمة فوربيدن ستوريز في يوليوز 2021.
خلال معالجتهم للمعلومات التي تم تسليمها لهم، أظهرت هذه الوسائل الإعلامية أنها انتقائية بشكل خاص فيما يتعلق بالدول التي تم التنديد بها، وتم الاستشهاد بـ11 دولة فقط، بما في ذلك المغرب، في حين اتضح أن شركة NSO لديها ما لا يقل عن 45 زبونا، معظمهم من البلدان الأوربية.
والغريب في الأمر أنه لم يكن هناك أي تساؤل حول هذه الدول الأوروبية التي تتوفر على برنامج بيغاسوس. الدولة الأوروبية الوحيدة التي تم ذكرها من قبل فوربيدن ستوريز هي هنغاريا، التي يرأسها فيكتور أوربان، العدو اللدود لعدد من الدول الأوربية.
أما أجهزة المخابرات المغربية فقد تم تقديمها على أنها الأكثر شراهة، ووفقا لما كشفته هذه وسائل الإعلام، فإنها متهمة بتنفيذ عملية تجسس جماعي استهدفت أكثر من عشرة آلاف شخص، بمن فيهم رؤساء دول.
غير أن المغرب كان، في رده، واضحا للغاية: نفى بشكل رسمي شراء أو استخدام لبرنامج بيغاسوس. كما قدمت المملكة شكاوى، تطلب استدعاء وسائل الإعلام الفرنسية وتلك الخاصة بالدول الأخرى من أجل تهمة التشهير أمام السلطات القضائية الخاصة بكل منها، ولا سيما في ألمانيا وإسبانيا. وقد عملت المملكة على هذا النحو للدفاع عن حقوقها وسمعتها وسمعة إداراتها الأمنية التي تعمل في إطار دولة الحق والقانون.
غير أن العدالة الفرنسية رفضت إحقاق الحق في هذا الملف. فقد رفضت محكمة باريس يوم الجمعة 25 مارس 2022 قبول دعوى التشهير المرفوعة إليها. قرار جاء على الرغم من المرافعات التاريخية من محاميي المغرب، الذين أكدوا أن المملكة هي دائما شفافة وبالتالي ليس لديها ما تخفيه. وعلى الرغم من أن الاستاذ أوليفيي باراتيللي، المحامي الذي فوضته المملكة في قضية بيغاسوس، قد أكد أن هذه وسائل الإعلام غير قادرة على تقديم الأدلة، مستنكرا "وضعا شاذا" و "خدعة" إعلامية، فأن العدالة الفرنسية كانت مصرة على إجهاض محاكمة كان يمكن أن تكون مثيرة.
وقد قدم المحامي باراتيللي في مقابلة مع موقع أطلس أنفو (AtlasInfo) تفسيره حول هذا الموضوع: "نستخدم حيل مسطرية، ووسائل الدفع بعدم قبول الدعوى من أجل تجنب النقاش الجوهري". ومع ذلك، هناك شيء واحد مؤكد: "اليوم، أظهر تحقيق في فرنسا أن المغرب لم يستخدم أبدا برنامج بيغاسوس"، بحسب ما أكده باراتيللي.
استأنف المغرب قرار القضاء الفرنسي، الأمر الذي يفسر تهافت هاتين الوسيلتين الإعلاميتين الفرنسيتين على وجه الخصوص على استغلال ما وقع في إسبانيا من أجل محاولة استهداف المملكة مرة أخرى. وبالتالي، فهذه الوسائل الإعلامية نفسها، التي لا تتردد في ربط دولة ذات سيادة بممارسات تقوم بها منظمات تنشط على الهامش وجواسيس ومنظمات استقلالية (كما هو الحال بالنسبة لإسبانيا)، وحتى المافيا، لا تخشى من أن تسقط في التهويل وحتى في المسخرة. بل تذهب إلى حد المبالغة حتى تعطي بكل بساطة الأهمية "للوقائع" التي ينقلونها.
تعود هذه وسائل الإعلام أيضا إلى توجيه الاتهام في كل مرة لإبلاغ الرسالة نفسها: من بين أهداف التنصت على المكالمات الهاتفية التي يزعم أن المغرب قام بها، هناك شخصيات فرنسية خاصة الرئيس إيمانويل ماكرون على سبيل المثال. ومع ذلك، كل هذا مجرد كذب وبهتان. في نهاية شهر دجنبر الماضي، وفي مقابلة مع صحيفة "لوموند"، كان وزير الخارجية الإسرائيلي نفسه هو الذي نفى رسميا هذه الأراجيف. وهكذا وضع يائير لبيد حدا لأسطوانة التنصت على هاتف الرئيس الفرنسي من قبل الاستخبارات المغربية. وقال بشكل قاطع: "لم يستمع أحد إلى هاتف الرئيس ماكرون".
كما نفت شركة إن إس أو الإسرائيلية، التي صممت وصنعت برنامج بيغاسوس، بشكل رسمي التجسس على هاتف الرئيس الفرنسي. لكن هذا لم يكن كافيا لتحويل بعض وسائل الإعلام عن رد فعلها البافلوفىة والإشارة، في كل مرة يتعاملون فيها مع قضية بيغاسوس، إلى هذا التجسس المزعوم الذي استهدف هاتف ماكرون.
الأطراف الساعية لربط المغرب ببيغاسوس لا تهمها الحقيقة. إن التهم الموجهة إلى المملكة لا تهدف فقط إلى المس بثوابتها ومؤسساتها، بل تهدف أيضا إلى محاولة الحد من إشعاع بلد أصبح، بكل تأكيد، يزعج البعض. إن التكالب الذي يستهدف المملكة، بالاعتماد على قضية ملفقة، لن تغير شيئا. من الأفضل لوسائل الإعلام المعنية، المرموقة بكل تأكيد، والتي لديها هذا الميل المؤسف للاستسلام للتسطيح عندما يتعلق الأمر بالمغرب، أن تبحث في مكان آخر. ربما يكون "العدو" أقرب إلى دولهم أكثر مما يتصورون.