عشية اجتماع المجلس الوزاري لجامعة الدول العربية المقرر عقده الأربعاء 9 مارس في القاهرة، تبذل الجزائر جهودا دبلوماسية جديدة لإنقاذ انعقاد القمة العربية في الجزائر. وهكذا، يتواجد وزيرا الداخلية والعدل الجزائريان في العاصمة السعودية منذ يوم الأحد الماضي، بينما كان زميلهما رمطان لعمامرة، رئيس الدبلوماسية، يوم الأحد الماضي في عمان (الأردن) ويوم أمس الاثنين 7 مارس 2022 في بيروت.
وكشف رئيس الدبلوماسية الجزائرية للصحافة مضمون رسالة خطية من الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون سلمها الى الرئيس اللبناني ميشال عون الذي ستترأس بلاده غدا الاربعاء 9 مارس في القاهرة الدورة العادية الـ157 لمجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري، والتي ستحدد، من بين أمور أخرى، موعد ومكان انعقاد القمة العربية المقبلة.
وكتب الرئيس الجزائري في رسالته ما يلي: "لا شك أن الظروف الدقيقة التي تمر بها أمتنا العربية وما تواجهه من تحديات سياسية وأمنية واقتصادية وصحية، تملي علينا تعزيز سنة التشاور والتنسيق... وأنا على يقين أنكم تشاطرونني الرأي بأن هذا الوضع، على صعوبته، ليس قدرا محتوما. ولأمتنا العربية من المقدرات والإمكانات في النواحي كافة، ما يمكنها من تجاوز مرحلة الانقسام التي تمر بها حاليا".
هذا الخطاب يضع محاوريه العرب في حيرة، لأنهم يعرفون جيدا أن النظام الجزائري، المهووس بزرع الشقاق في منطقة المغرب العربي، هو الذي يؤجج التوتر مع المغرب، بل وذهب إلى حد التلويح بشن حرب على المغرب، بعد قطع العلاقات الدبلوماسية من جانب واحد معه وبعد إغلاق خط أنابيب الغاز المغاربي الأوربي لحرمان المغرب من الغاز الجزائري، وكذلك إغلاق المجال الجوي. ناهيك عن الحدود البرية المغلقة بين البلدين منذ 1994...
من الواضح أن هذا الخطاب المزدوج لدبلوماسية تعد، من ناحية، بتدعيم الصف العربي، ومن ناحية أخرى، تنخرط في أعمال عدائية متكررة تجاه المغرب، لا يمكن أن يخدع بأي حال من الأحوال الغالبية العظمى من الدول العربية.
بل إن هذا الواقع هو الذي يفسر عدم انعقاد القمة العربية في الموعد الذي حدده لها عبد المجيد تبون لشهر مارس 2022، ثم عدم اليقين الذي لا يزال يحوم حول تحديد موعد جديد. هذا ما يفسر التحركات المسعورة للنظام الجزائري في الآونة الأخيرة، من أجل الحؤول دون تأجيل عقد القمة إلى أجل غير مسمى أو عقدها في عاصمة أخرى غير الجزائر العاصمة.
والأرجح أن الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية ستعرض على النظام الجزائري تاريخ في شهر نونبر المقبل لعقد قمة في الجزائر، الأمر الذي سيدفع وسائل الإعلام الجزائرية للقول إن الرئيس تبون حدد موعد انعقاد القمة. وهذا، بعدما تلقى صفعة عند تأجيل عقد القمة التي حدد موعد عقدها بشكل علني في شهر مارس.
ومع ذلك، إذا نجح النظام الجزائري، أخيرا، في انتزاع موعد لقعد هذه القمة، يمكن أن تحدث العديد من الأحداث بين الآن وشهر نونبر المقبل. ومن مصلحة الطغمة العسكرية الجزائرية أن تخفف من غلوائها وتتجنب أي تناقض في الخطاب أو البروتوكول إذا لم تكن تريد أن يتحول هذا الملف، الذي أصبحت له أهمية قصوى، إلى إذلال آخر.
أدى السعار الذي أبداه النظام الجزائري في تدبير هذا الملف إلى إخفاق زيارة عبد المجيد تبون للقاهرة في يناير الماضي، تلاها إلغاء لقائه بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بعد أيام قليلة. ناهيك عن الصفعة الدبلوماسية للأمين العام لجامعة الدول العربية الذي أكد أن تحديد موعد القمة العربية تم بالاتفاق بين الدول الأعضاء وليس من قبل الجزائر وحدها.
إن هذا السعار يكاد ينسي النظام الجزائري أنه يفضح سلوكه الفصامي بإعلانه من جهة أنه يريد إنهاء الانقسامات بين الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية، ومن جهة أخرى بتأجيج التوتر والعداء اتجاه المملكة المغربية.
وقد طلبت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية رسميا اعتماد خريطة رسمية تضم كافة أجزاء التراب المغربي، بما في ذلك الصحراء الأطلسية، في جميع اجتماعات الجامعة العربية. في حال عقد هذه القمة، سنرى كيف سيتعامل تبون وشيوخ النظام، رغما عنهم، مع خريطة المغرب التي تشمل صحراءه، والتي سيتم عرضها في الجزائر العاصمة.