عندما تطلق الجزائر كلابها الإعلامية المسعورة، فلا يجب انتظار إلا البذاءة والسفالة. فالمدون الجزائري، سعيد بنسديرة –الذي يعترف بنفسه بأن يتلقى تمويلا من الرئاسة الجزائرية- هاجم بعنف الرئيس التونسي الأسبق، منصف المرزوقي. هجومه كان وقحا ومثيرا للغثيان: "إنه أصلع وضعيف"، هكذا وصف منصف المرزوقي، الذي تلقى كافة أشكال الإهانات التي لم تسلم منها حتى زوجته "الفرنسية الصهيونية"، وكذا والده المتوفي. لكن لماذا كل هذه الكراهية؟
بعد أيام قليلة من تدخل القوات المسلحة الملكية في الكركرات، أجرت صحيفة "القدس العربي" اليومية اللندنية مقابلة مع أول رئيس لتونس بعد الربيع العربي (وثورة الياسمين). بكل صراحة وبكلمات مليئة بالحكمة، عبر منصف المرزوقي عن تصوره لنزاع الصحراء والعوائق التي تحول دون إيجاد حل له.
"لا يمكن أن نضحي بمستقبل مئة مليون مغاربي لأجل مئتي ألف صحراوي في حين أن هؤلاء يجدون أنفسهم معززين ومكرمين داخل اتحاد مغاربي وضمن الحكم الذاتي في الدولة المغربية"، هذا ما أكده منصف المرزوقي في هذا الحوار. وأوضح الرئيس التونسي الأسبق فكرته خلال لقاء نظمته منظمة غير حكومية جزائرية حول موضوع الحريات والديمقراطية. وفي هذا الصدد وجه منصف المرزوقي خطابه للصحراويين في تندوف، قائلا: "سيكون بإمكانكم الاستقرار في تونس والعمل في ليبيا والدراسة في الجزائر والمشاركة في الانتخابات التشريعية في المغرب".
وكشف الرئيس الأسبق لتونس، الذي يعرف جيدا خبايا المنطقة المغاربية، عن مسؤولية الجزائر في هذا الصراع. "النظام الجزائري المتداعي يبيع الأوهام للصحراويين الذين يحتجزهم كرهائن لخدمة خيار سياسي متحيز (...). كلما تمكنا من المضي قدما وإيجاد حل منطقي للمشكلة الصحراوية في إطار الحكم الذاتي داخل المغرب واتحاد المغرب الكبير، كانت هناك دائما قوى لارتكاب الضربات الإرهابية ولإفشال كل شيء"، هذا ما كشف عنه المرزوقي الذي كان شاهدا على الكيفية التي عرقلت بها الجزائر بناء المغرب العربي واستخدمت "القضية الصحراوية" كأصل تجاري.
وأضاف: "للأسف كنا رهائن لدى مجموعة في النظام انتفض ضدها الشعب الجزائري .(...) آمل أن التغيير الذي ستعرفه الجزائر والحراك والديمقراطية سيمنحنا جيلا جديدا من القادة الذين ستكون لديهم الشجاعة لفهم أنه بسبب هذه السياسة أضعنا أربعين سنة وأنه يجب التخلي عنها وأن علينا أن نبدأ مرحلة إيجابية أخرى للتقريب بين الشعوب".
بقوله بصوت عالٍ يهمس به القادة المغاربيون (بمن فيهم الجزائريون أنفسهم)، رفع منصف المرزوقي الحجاب عن مناورات النظام الجزائري، وهو ما يفسر بلا شك رد الفعل الهستيري لأبواقه الدعائية.
عبد العزيز مجاهد، الجنرال المتقاعد ذو الماضي الملطخ بالدماء خلال العشرية السوداء بالجزائر (كان الرئيس الهرمي لرئيس الأركان الجزائري الحالي)، كان وقحا وقليل الأدب عندما قال: "أحذية الصحراويين أشرف من وجه المرزوقي".
أما بالنسبة لـ"اللجنة الوطنية الجزائرية للتضامن مع الشعب الصحراوي"، فقد أخرجت في الرف أحد وجوهها القديمة الذي بعث رسالة مفتوحة للزعيم التونسي الأسبق، يتهمه فيها بقيادة "حملة كراهية" ضد الجزائر. ويتعلق الأمر بالرئيس السابق لهذه اللجنة، محرز عماري، وهو شخص غريب الأطوار وكان قد تورط في تمويل الاضطرابات على التراب المغربي منذ سنوات.
تصريحات محرز عماري كانت موضوع قصاصة طويلة بوكالة الأنباء الجزائرية يوم السبت 5 دجنبر. هذه الحملة المسعورة على الأقل تبين لنا أن منصف المرزوقي قد وضع إصبعه في الجرح. إنه يعتقد بحق أنه لا خير يمكن توقعه من زعماء شاخوا ولا يريدون ترك السلطة. يتعين علينا ربما انتظار رحيلهم عن هذا العالم لكي نأمل طي صفحة الصراع القديم في الصحراء بشكل نهائي.